الإرهاب ليس عدواً وحيداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال عقدي الخمسينات والستينات، ومع ظهور جهود غير معهودة في التصنيع، ونمو الخدمات التي يتطلبها هذا التصنيع، ُوجدت مجالات أخرى للعمل ذات دخل أعلى، وذات مساهمة أكبر في تقدم المجتمع، ثم جاء عصر التضخم الجامح في السبعينات الذي جعل الراتب الحكومي شبه الثابت، غير قادر على ملاحقة الارتفاع في الأسعار.

تم رفع شعار الانفتاح الاقتصادي، وانفتحت مصر بالفعل على العالم بدرجة لم تعهدها من قبل، وظهرت فرص لتحقيق دخول أعلى بل وثروات مفاجئة، واقترن الانفتاح بظاهرة الهجرة إلى الدول الأكثر ثراء.

كثر الكلام عن البحث عن مشروع بدلاً من البحث عن وظيفة، وكان المقصود بالمشروع المبادرة باستغلال فرصة للربح، ثم زادت درجة الجرأة في القيام بمشروعات جديدة، وأصبح يعتبر من قبيل قلة الهمة وانعدام الطموح، أن يفضل المرء البقاء في وظيفة حكومية على محاولة اغتنام بعض الفرص المتاحة.

لكن هذا التغير في النظرة إلى الوظيفة الحكومية لم يستمر إلى الأبد، فقد حدث ما يغيره في عالم الأعمال الحرة والوظيفة الحكومية على السواء.

كانت السبعينات سنوات رواج اقتصادي غير معهود في مصر، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة تقدماً اقتصادياً.

شهد هذا العقد إعادة فتح قناة السويس وتدفق الاستثمارات الأجنبية الخاصة، بسبب قوانين الانفتاح، وزيادة كبيرة في المعونات الأجنبية، بسبب تغير السياسة الخارجية، بالإضافة إلى تدفق تحويلات المصريين العاملين بالخارج.

ارتفع معدل نمو الناتج إلى ما يزيد على 7%، وهو رقم من النادر تحققه في مصر سواء قبل السبعينات أو بعدها، واستمر الرواج طالما استمر معدل الهجرة مرتفعاً حتى منتصف الثمانينات، ثم حدث انخفاض كبيرفي معدل الهجرة وانخفاض إيرادات مصر نفسها من البترول.

قامت حرب الخليج واحتل العراق الكويت، وأدى مجيء القوات الأميركية إلى مزيد من الانخفاض في هجرة المصريين إلى العراق وبقية دول الخليج، في هذه الظروف جاءت حكومة عاطف صدقي التي استمرت نحو عشر سنوات شهدت مصر خلالها انخفاضاً كبيراً في معدل النمو، وفرضت عليها شروط صندوق النقد الدولي لتخفيض الإنفاق الحكومي كي تتمكن مصر من سداد ديونها.

لم يعد المناخ إذاً، ابتداء من أواخر الثمانينات، ملائماً لظهور فرص جديدة للربح، أو للقيام باستثمارات جديدة في مصر سواء للمصريين أو للأجانب، ولا يزال هذا المناخ للأسف مستمراً حتى الآن، باستثناء سنوات قليلة قبيل حلول الأزمة الحالية العالمية في 2008. منذ ذلك الوقت ساد مناخ مختلف تماماً عما كان سائداً في السبعينات والثمانينات (عندما روج للمشروعات الفردية )، فمنذ بداية التسعينات ساد مناخ يشبه القنوط العالم، سواء مما يمكن أن تفعله الاطراف المختصة أو ما يمكن أن يقوم به الأفراد من مشروعات خاصة.

لا أعتقد أننا نبتعد كثيراً عن الحقيقة إذا اعتبرنا أن أحد أسباب الضغوطات الاقتصادية في مصر ، وهي استمرار لضغوطات عمرها يقرب من ربع قرن.

نفتقد الرؤية التي سادت في عقدي الخمسينات والستينات التي تمجد الوظيفة الحكومية، ولكننا نفتقد أيضاً الرؤية التي سادت في السبعينات والثمانينات التي تمجد الانفتاح والحافز الفردي.

كان لكل من الفترتين رؤية واضحة لما يجب عمله وما يجب تجنبه، ولكن ما هي النظرة السائدة الآن؟

هل نثني على تدخل الجهات المختصة اقتصاديا، أم نضع كل آمالنا في القطاع الخاص؟

الحقيقة أننا لم نعد شديدي التفاؤل، ولم نعد ننتقد القطاع الخاص، كما دأبنا على القول في الخمسينات والستينات، ولكننا أيضاً فقدنا الحماس لقدرة هذا القطاع الخاص على القيام بما كانت تقوم به الجهات المختصة في هذين العقدين.

هل السبب هو تحولنا من مكافحة التخلف والركود الاقتصادي إلى مكافحة الإرهاب ؟ .

نحن نلقي بالمسؤولية على هذا العدو، ومن ثم لا نعرف ما الذي يجب عمله بالضبط.

إذا كان الحال كذلك فلا بد من العودة إلى العمل في ميدان الاقتصاد نفسه، والسياحة لن تعود إلى سابق عهدها إلا باتخاذ إجراءات إيجابية لجذب السياح، وكف خوفهم بما يمكن أن يصادفوه من إرهاب.

التقدم الصناعي لن يعود إلا ببناء مصانع جديدة وتشغيل المتوقف منها.

Email