فلسفة السعادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتل مفهوم السعادة في تاريخ الفكر الفلسفي موقعاً خاصاً في علم الأخلاق. وعند معظم الفلاسفة من الفيلسوف اليوناني سقراط وانتهاءً بالفيلسوف البريطاني برنتراند راسل مروراً بالفيلسوف الإسلامي الفارابي.

فضلاً عن وجود عشرات الأقوال المأثورة الصادرة على لسان الحكماء. والسعادة بوصفها مفهوماً، وإن تغير معناه واغتنى، فإنه من المفاهيم التي لا يصيبها البِلى بسبب ارتباطه بحياة الإنسان المعيشية.

لا أريد أن أثقل القارئ بأقوال الفلاسفة ونظرياتهم. حسبي أن أقدم، وفق زاوية رؤيتي للسعادة، المعنى الجوهري لهذا المفهوم.

أعرف السعادة مؤقتاً عن طريق السلب بالقول: السعادة تحرر الفرد من الحرمان والخوف.

الحرمان بتعريفي هو: وجود حاجات مادية وروحية واقعية ومعقولة لدى الفرد لا يستطيع الفرد تحقيقها بسبب عوامل متعددة ليس هو المسؤول عنها. وإذ أشرت إلى حاجات واقعية ومعقولة فهذا كي أميز بين الأحلام الفردية الخاصة التي لا ترتبط بالشروط الخارجية كحلم إنسان ما أن يصبح كاتباً مشهوراً دون أن ينطوي على موهبة الكتابة والمعرفة التي تجعله كذلك.

فحاجات الإنسان المتعلقة بالحياة الكريمة كالحفاظ على الجسد سليماً وحق الاستشفاء إن مرض وامتلاك البيت الإنساني والقدرة على توفير الغذاء والكساء والحصول على التعليم والمعرفة وعلى العمل المطابق والقدرة على الاستمتاع بمنجزات العلم والحضارة كلها حاجات مشتركة بين بني البشر. إن عدم تحقق وتحقيق هذه الحاجات وما شابهها هو الحرمان الذي يولد الشقاوة أو الشقاء والعكس يوفر السعادة.

وليس تلبية الحاجات الروحية بأقل أهمية من تلبية الحاجات الجسدية بل قل إن التمييز بين السعادة الروحية والسعادة الجسدية والفصل بينهما أمر مستحيل.

أما التحرر من الخوف فهو الشرط الضروري للحياة الطبيعية. فلا تقوم سعادة والكائن خائف من الجوع وخائف من السلطة الاستبدادية وخائف من المستقبل وخائف من القتل والحرب.

بل إن الخوف على الحياة يدفع الكائن البشري الخائف للهجرة إلى أي مكان يشعر فيه بالأمان متخلياً عن مسقط رأسه ومرابع طفولته وبيته. لقد غامر مئات الآلاف في ركوب البحر راحلين من بلادهم طلباً للأمان وخوفاً على الحياة.

والسعادة شعور بالسعادة، أي لا تنفصل السعادة عن الشعور بها، فالشعور هنا يمنح الكائن متعة الحفاظ عليه، الحفاظ على الشروط التي والدته والدفاع عنها، ومن هنا لا انفصال بين الوطن والسعادة. ولهذا فأي تراجيديا أكثر مأساوية من أن تغادر وطنك لتبحث عن السعادة في أوطان الآخرين!

إذا انتقلنا من تعريف السعادة السابق عن طريق السلب إلى تعريفها من حيث جوهرها قلنا إنها انتقال الإنسان من غريزة البقاء إلى حب الحياة. فغريزة البقاء فعل غريزي بيولوجي صرف؛ فغريزة البقاء تخلق الدافع لدى الإنسان للبقاء حياً واتقاء شر الخطر على الحياة.

أما حب الحياة فهو الانتقال من غريزة البقاء إلى حب الحياة بوصفها متعة وشعور بالفرح، فالوطن الذي ينتج حب الحياة لدى أبنائه ينتج في الوقت نفسه الفرح بالانتماء إليه والواجب الذي يدفعه للدفاع عنه ويحرره من الحرمان والخوف اللذين تحدثنا عنهما سابقاً.

وفي موضوع السعادة علينا أن نتذكر كتاب الفارابي الذي مات سنة 950 وعنوانه «تحصيل السعادة»، وحسبنا أن نشير إلى أنه قال: السعادة لا تكون إلا بالاجتماع الفاضل الذي ينتج الحكم الفاضل.

 

Email