سلوم

قريّب بدو

ت + ت - الحجم الطبيعي

هي جملة اخترعتها الحياة الاجتماعية لأهل هذه الأرض، والبعض يعتقد أنها كالجملة التي تقول «فرّة حصاه» التي صنعتها الحياة الاجتماعية الخاصة بنا أيضاً، والحقيقه هي بعيدة كل البعد عنها، «فرّة حصاه» تعني أن الشيء المقصود قريب جداً، أما جملتنا فتعني العكس ولكن بأبعاد أخرى، فجملتنا احتوت على كلمتين «قريّب» و«بدو» فالكلمة الأولى عبارة عن ظرف زمان «قريّب»، وهي تصغير لكلمة قريب.

 وعلى سبيل المثال تماما كما نقول «بيت» وتصغيره «بويْت» أو «دكان» وتصغيره «دكيكين»، أما الكلمة الأخرى فهي صفة «بدو» وهو اسم يطلق على من يسكنون البادية، وكما نعلم فهناك بدو في أغلب دول العالم أو أغلب المجتمعات، وهم مجموعة من نفس المجتمع ولكن استوطنوا البادية ولم يتركوا أو يتخلوا عما كان يمارس أجدادهم حتى الآن.

 ولا يزالون يتحلون بنفس صفاتهم ويقومون بأغلب الأعمال التي كان يقوم بها أسلافهم وهم أصل العرب والعروبة ورمزها، وعليه فإن الجملة أخذت من صفات البدو التي اشتهروا بها، «قريّب بدو» جملة تقال عندما يتوقع الشخص أن المكان الذي سوف يذهب إليه ليس بالبعيد وعند البدء بالسير في اتجاهه ينصدم بأنه بعيد جداً بالنسبة إليه، وليس كما كان يعتقد أو قيل له.

 وتوجه الجملة إلى الشخص الذي صور له ذلك، وإن المكان ليس بالبعيد ولأوضح المعنى بشكل أكبر لو نفترض أن شخصاً قام بدعوتنا على وجبة عشاء ولكي يجعل الأمر بسيطاً والمكان الذي سوف يأخذنا له ليس بالبعيد، وذلك لضمان قبول دعوته يوحي لنا أن المكان قريب من موقع معين نحن نعرفه، ويقول المكان ليس ببعيد عن الشارع العام.

 وفي الحقيقة هو ليس كذلك وعند ذهابنا نتفاجأ بأن المكان بعيد نوعاً ما فيقول له المدعوين «سويتلنا قريّب بدو»، وذلك استناداً إلى أطباع أهل البادية والتي بفضل صحتهم ونشاطهم وحيويتهم لم يشكل بعد المسافات أي عبء عليهم.

 فقد عرفوا بالتواصل بين بعضهم والبعض والسير لأيام لزيارة أهلهم وأقاربهم وأصدقائهم، فلو هَمّ أحدهم بالسير من مدينة العين لزيارة صديقه في رأس الخيمة وسألته عن وجهته لقال لك «ساير شويه شمال صوب ريال ساعة زمان وبعود» فهم لا يأبهون بالمسافات في عمل واجبهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو المهني.

 ولهذا خلق المجتمع هذه الجملة والتي اعتبرها وسام شرف لكل من ينتمي للبادية في كل عالمنا العربي، وهنا نستدل أن موروثا الأدبي الاجتماعي غني ويزخر بكثير من المفردات والجمل التي صنعتها الحياة اليومية حسب احتياجها وشاهداً على عراقة وقدم مجتمعه.
هذا وللحديث صلة..

Email