أمة لن تيأس

ت + ت - الحجم الطبيعي

«نحن أمة لم ولن تيأس، وهناك موجة إحباط في العالم العربي لا بد من محاربتها، لا يمكن لأي أمة أن تستأنف حضارتها إذا تمكن اليأس منها ومن شبابها، والجميع مسؤول عن صنع الأمل في منطقتنا»، بهذه الرؤية الرائقة الفائقة، وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يده على الداء ونكأ الجرح، غير أن آلام الجرح، وإن كان صعباً، إلا أنه يشير إلى وجود الداء، غير أنه شخّص سموه الحالة العربية.

ووصفها وصفاً دقيقاً، وضع العلاج، ووصف الدواء، غير إنه لم يجعل هذا الدواء حكراً على فرد دون غيره، بل اعتبره مسؤولية الجميع، فالمسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أبناء أمتنا العربية، شباباً وشيبة، نساء ورجالاً، عاملين وأصحاب أعمال، الحكومات والأفراد، فالكل مدعو إلى ساحة العز والشرف، لنستأنف حضارتنا، على حد وصف سموه الراقي للانتقال من حال إلى حال أفضل.

والبداية في هذا القول الفصل، يحمل في ذاته النهاية، وهو القول الفصل في القضية «أننا أمة لم ولن تيأس»، وكأنه القرار الذي يجب أن يتخذه كل أبناء الأمة الذين قرؤوا تاريخها، ووعوا حاضرها، وعيونهم على مستقبلها، إنه القول الفصل، فإنه، وإن كان مشهد الغروب هو الغالب على معظم أرجاء وطننا العربي، غير أن الشروق لا محالة قادم، تلك هي سنن الله في كونه، غير أن امتداد فترتيهما مرهون بحالة أبنائه وبأخذهم بأسباب ذلك، وبقدر عزمهم على تحقيقه.

نحن أمة لم ولن تيأس، إجمالاً بعد التفصيل، وهو أن هناك موجة من الإحباط في عالمنا العربي، ومن ينكر ذلك، والراشدون والحكماء وحدهم هم الذين يدركون أن خطر الإصابة بالإحباط، أشد فتكاً بأبناء أمتنا ومن أخطر الداءات، وأن أمة محبطة، هي جسد بلا روح، عاجزة، معدومة القدرة فكراً وعملاً.

بل إن تصدير حالات اليأس والإحباط كان السلاح الأنجع في الحروب، ونتائجه الأقوى من أشد الأسلحة فتكاً، إن الإحباط يعني الهزيمة الداخلية، التي تجعل الإنسان عاجزاً، وإن امتلك أسباب القوة، غير أن إرادة التوجيه منعدمة.

لذا، كان علينا قبل الحديث عن محاولات التقدم والتنمية، أن يتم التخلص من تلك الحالة، عبر ما وصفه سموه بالمحاربة، وهو ما يؤكد أن اليأس عدو قاتل شرس مخرب، يجب محاربته والقضاء عليه أولاً، ثم بعد أن يعافى البدن من هذا المرض، نبدأ في ما يليه من خطوات، متمثلة في استئناف الحضارة.

وهو مصطلح منحوت بدقة شديدة، دال على أننا أمة في الأصل ذات حضارة، غير أنها تعثرت، لكن ذلك لا يعني أنها غابت، فالتراب عندما يعتلي الذهب، لا ينفي عنه كونه ذهباً، غير أنه يحتاج إلى من يقوم بإزالة التراب الذي يعلوه، حتى يعود بريقه ولمعانه، كما الأصل دائماً، يخطف الأبصار ويشد العقول.

ثم أكد سموه، أن أمة لا يمكن لها أن تنهض من جديد إذا تمكن اليأس منها، وتحديداً من شبابها، وهي إشارة واضحة إلى أن عماد النهضة هم الشباب أصحاب الفكر المتجدد، والحركة السريعة المنتجة، والأكثر قدرة على المغامرة المحسوبة، والقابلية للتغيير والتكيف والمتابعة والتنمية الذاتية مع متغيرات عصرهم وفهم لغته، إنها إشارة إلى أن الشباب ثروة أمتنا العربية التي يتم دائماً التعويل عليها، وهو أساس هذه العودة إلى المسارات الصحيحة، وهو ما يتطلب رعايتهم، والحفاظ عليهم، والاستماع إليهم، والدفع بهم إلى الصفوف الأولى، ومنحهم الثقة والفرصة للتعبير عن ذواتهم، وبخاصة أنهم يمثلون الشريح الأكبر بين الشعوب العربية.

ثم تأتي مسؤولية صنع الأمل بين شعوبنا العربية، باعتبارها مسؤولية جماعية، لا تنصب على فئة دون غيرها، أو شريحة واحدة فحسب، بل على الجميع أن يتمسك بالأمل، وأن يبثه في من حوله، فتنتشر حالة من التوهج النفسي، الذي لا شك يعقبها فعل قوي على الأرض، فالأمل هو وقود النجاح ودافع الإنجاز.

وهو الذي يجعل للحياة معنى، وللفرد فيها رسالة، وصنع الأمل يكون بصنع الخير، وهو ما أكد عليه سموه، حين قال إنه لا نهضة بدون منظومة قيم تدفع الناس إلى الإسهام في الخير، وصناع الأمل في عالمنا العربي، هم النجوم والنماذج للأجيال الجديدة، كما أن الخير موجود في نفس كل إنسان، وطاقة نور تحتاج إلى من يحركها ويوجهها إلى الطريق الصحيح، وفتح أبواب الأمل، تعني الوقوف ضد موجات اليأس والإحباط، والدولة تقوم على تكاتف وتعاون الحكومات مع أبناء المجتمع، لتكون النهضة الشاملة المتكاملة، هذه النهضة التي تعبر بالإنسان من اليأس إلى الرجاء.

 

Email