جولة ميركل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أغلب الظن أن الزيارة، التي ستبدأها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى مصر اعتباراً من بعد غد الخميس لتقودها في ما بعد إلى تونس ستشهد مباحثات مكثفة مع قادة ومسؤولي البلدين حول حزمة من القضايا الحساسة، التي تحتاج إلى قرارات حكيمة، تتمكن من خلالها الدولتان العربيتان من الحفاظ على مصالحهما الاقتصادية، في هذه الظروف الصعبة مع حماية الثوابت الوطنية، وأسس الاستقلال الوطني.

لعل السبب في توقع ذلك هو تداخل عوامل سياسية واقتصادية واستراتيجية مع قضايا الإرهاب واللاجئين والهجرة غير الشرعية، وتدرك ألمانيا جيداً ضرورة أن تكون هناك شراكة حقيقية ما بين دول الشمال الأفريقي والاتحاد الأوروبي، وألمانيا على وجه الخصوص للتعامل مع هذا المواقف الخطيرة وإيجاد حلول عملية لها، بما يحقق مصالح الطرفين.

ومن ثم من المتوقع أن تبرز مسألة المساعدات الاقتصادية التي قد تتسم بالسخاء كونها أداة محفزة لتشجيع أطراف شمال أفريقيا على قبول حلول غير تقليدية للقضايا المشار إليها، ومن بينها توقيع اتفاقيات على غرار تلك التي وقعتها ألمانيا ودول أوروبية مع تركيا، لتخفيف صدمات اللاجئين عن الجانب الأوروبي.

برغم أن الدولة المصرية كانت قد أعلنت في مناسبات سابقة رفضها التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، إلا أنه من المرجح أن تكون هذه القضية بكل أبعادها في بؤرة المفاوضات المصرية- الألمانية، وما يرتبط بها من هجرة غير شرعية خاصة من الأراضي الليبية.

لا شك في أن«خطة مارشال لأفريقيا، وسوق مشتركة مع شمال أفريقيا»، التي أعلنت عنها برلين من قبل تبدو محاولة من حكومة ميركل، للخروج من مطب التجاذبات مع العواصم الشمال أفريقية، والجدل الداخلي حول ملفي الهجرة والأمن، وتبقى الخطة تطوراً جديداً، يشهده ملف الجدل بين ألمانيا والبلدان المعنية حول موضوع مساعدات التنمية والهجرة.

يأتي المشروع تتويجاً لخطوات قامت بها ألمانيا في السنوات القليلة الأخيرة باتجاه تقوية استثماراتها وصادراتها في القارة الأفريقية عموماً، إلا أن الظروف الحالية تجعل الأضواء مركزة على هذا المشروع.

ليس خافياً أنه من النادر في السياسة الخارجية الألمانية أن تلجأ برلين للتلويح باستخدام عقوبات اقتصادية، لكن أصوات عديدة سياسية وإعلامية ارتفعت في ألمانيا أخيراً مطالبة باتخاذ عقوبات اقتصادية ضد الدول، التي تحجم عن التعاون في ملفي الهجرة والأمن، ويستند دعاة هذا النهج إلى حجج، منها أن الأولوية يجب أن تعطى لأمن المواطنين الألمان.

ومن ثم يجب رفع وتيرة الضغوط على تلك الدول لحملها على القبول بمقتضيات التعاون لترحيل الأشخاص، الذين يوجدون في وضعية غير قانونية، وخصوصاً الذين يشكلون خطراً على الأمن في ألمانيا.

في هذا السياق يأسف معلقون كثيرون في وسائل الإعلام الألمانية من عدم جدوى المفاوضات الطويلة، التي تخوضها برلين، ويعتقد ساسة ألمان، ضمنهم مسؤولون في حزب ميركل أن التهديد بوقف المساعدات أو تقليصها يمكن أن يساعد في حل المشاكل.

لكن هناك تيار آخر لا يقل أهمية يرى أن استخدام الضغوط الاقتصادية، وإن كانت وسيلة مشروعة في العلاقات بين الدول إلا أنها قد لا تكون ناجحة، خصوصاً إذا حادت عن الهدف المقصود منها، وينطلق معارضو فكرة استخدام المساعدات التنموية كونها سلاحاً للضغط أو العقوبات ضد الدول، التي لا تتعاون في مسألتي الهجرة والأمن من سؤال جوهري:

من هو المقصود بالمساعدات التنموية؟ أليست الشعوب أو تحديداً مناطق فقيرة توجه إليها المساعدات لفتح آفاق وفرص لشبابها كي يستقروا في بلدهم بدل المجازفة وركوب رحلات الموت عبر المتوسط نحو أوروبا؟

تجيء الإجابة سريعة؛ أن وقف أو تقليص المساعدات لن يؤدي سوى إلى تعقيد المشاكل، وخلق بؤر عدم استقرار جديدة في دول مجاورة للاتحاد الأوروبي.

وكذلك التعاون أمر لا يمكن فرضه، بل يأتي نتيجة التزام متبادل، فوقف المساعدات لن يجلب حلاً للمشاكل، ومن هنا يدافع ساسة ألمان ومسؤولو منظمات إنسانية عن سياسة «أكثر إنسانية» تجاه القارة الأفريقية برمتها، وضمنها دول جنوب المتوسط، سياسة تهدف إلى مساعدة تلك البلدان على التحكم في الهجرة غير الشرعية وأمواج اللاجئين، التي يتدفق منها سنوياً عشرات الآلاف على القارة الأوروبية.

من وجهة نظر أخرى تبدو فكرة إقامة مراكز استقبال للاجئين في دول مثل تونس ومصر خطة مغرية لعدد من المسؤولين الألمان.

ولذلك فان تأكيد برلين على فكرة إقامة سوق مشتركة مع بلدان جنوب المتوسط، بما فيها مصر نابعة من الاهتمام بإدماجها، في إطار تعاون متعدد الأطراف مع الدول، التي تشكل حزاماً أمنياً للجنوب الأوروبي، وتحتاج هذه الصيغة بالتأكيد إلى معالجة سياسية شديدة الذكاء من جانب الأطراف العربية، للخروج بأكبر قدر من المكاسب، وأقل الأضرار.

 

Email