أن يكون الحل عربياً.. في ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستحق الجهود التي بذلتها مصر وأطراف عربية أخرى لتسوية الأزمة الليبية,أو على أقل تقدير للحيلولة دون تفاقمها إلى حد المواجهات المسلحة المكشوفة,الكثير من الإشادة وكذلك الدعم العربي الجماعي الذي يسهل من وضع التصورات العربية موضع التنفيذ على أرض الواقع لإنقاذ الدولة العربية الشقيقة.

لقد انتهت محادثات القاهرة بين الأطراف الليبية المعنية قبل أيام بالإعلان عما يمكن تسميته بخريطة الطريق للخروج من المأزق الراهن في ليبيا تزامناً مع حلول الذكرى السادسة لثورة الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي,وتهدف هذه الخريطة إلى إقرار عملية سياسية تنتهي مطلع العام المقبل بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية استناداً إلى كثير من بنود اتفاق الصخيرات الموقع في المغرب ديسمبر 2015.

ويبقى المهم في هذه التحركات العمل بكل جدية لإنهاء الانقسام القائم بين الشرق والغرب في ليبيا ويضع البلاد على شفا حفرة من «الهلاك» غير المرغوب فيه داخلياً وإقليمياً,إلا أنه يظل خطراً قائماً ما لم تتواصل المحادثات والاتصالات بين مختلف الأطراف بنفس الروح المسؤولة التي تعلي شأن الحوار,وبدون أدنى شك يعد هذا الخيار - خيار الحوار والتفاوض - هو النهج الأمثل لتجاوز كل الصعاب مهما طال الزمن.

لأن البديل الأخر المتمثل في الخيار العسكري له تبعات خطيرة خاصة إذا لم يكن موجهاً ومدروساً بشكل دقيق ليجئ في صورة العمليات الجراحية الدقيقة التي تستأصل الداء دون أن تصيب باقي الجسد بالتهابات خطيرة,وأيضا حتى لا تتحول ليبيا إلى «سوريا» أخرى بمئات آلاف القتلى والجرحى وملايين اللاجئين والمشردين وخراب واسع النطاق في كل ربوع الديار.

ويظل هذا الخيار مفضلاً نظراً لأن هناك إرادة حقيقية واضحة بين مختلف الأطراف للتفاوض والتوصل إلى تسوية سياسية خاصة وأن المشكلات القائمة أو ما تبقى من قضايا خلافية بينها لا يرقى على الإطلاق إلى مستوى التعقيدات الموجودة في مناطق نزاع أخرى من أمتنا العربية حيث تتزايد المشكلات الطائفية أو المذهبية أو العرقية التي تحول دون التوصل لتسويات سريعة للأزمات الجارية.

ولهذا الحديث أهميته لحفز العزيمة لدى مختلف الأطراف السياسية الليبية بمواصلة التفاوض مهما كانت الصعاب والبعد تماما عن التهديد بأطراف خارجية للحصول على دعم منها على دعم عسكري وسياسي لتقوية موقفها في مواجهة الخصوم,ومن ثم فإن مطالبة رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج بتدخل حلف الأطلنطي لدعم وتجهيز الأجهزة الأمنية في ليبيا هي دعوة غير موفقة وفي غير موضعها خاصة في الوقت الراهن الذي تتواصل فيه الجهود العربية لنزع فتيل التوتر.

وحتى إذا كانت هذه المطالبة مجرد ورقة ضغط على المشير خليفة حفتر قائد الجيش بعد تعثر لقائهما المباشر في القاهرة,وبعد الدعم القوي الذي حظي به حفتر من موسكو ونجاحه في فرض هيمنته العسكرية تماما على الشرق الليبي,إلا أن ذلك ليس مبرراً على الإطلاق لطلب العون من القوة التي كانت سبباً في تدمير ليبيا بعدما قامت قوات الأطلسي بغزو ليبيا وعزل القذاقي قبل أن تترك البلاد للخراب,.

وليس خافياً أن التهديد بعسكرة الصراع بأطراف خارجية هو لعب بالنار لأنه ببساطة سيكون بداية لمشاكل ضخمة قد يصعب احتواؤها وسيقود لمزيد من التمزق،وعدم لقاء الرئيس والمشير وجهاً لوجه ليس مبرراً على الإطلاق لصرف النظر عما تم تحقيقه على طاولة المفاوضات,فأمام القضايا الوطنية الحاسمة يجب أن تتوارى الأمور الشخصية.

ولذا يعد الخيار العربي التفاوضي هو الأفضل في مواجهة الخيار الغربي الذي يبدو أنه يفضل الحل العسكري بزعم مواجهة الكثير من التحديات الأمنية على رأسها «داعش» وضرب عصابات تهريب اللاجئين والهجرة غير الشرعية التي باتت تمثل خطراً جسيماً على الدول الأوروبية خاصة في ضوء الهجمات الإرهابية في ألمانيا وبلجيكا ومن قبل في فرنسا,وهو توجه خاطئ لأن المشاكل القائمة في ليبيا جذورها سياسية أكثر منها أمنية ومن ثم يجب عدم الدفع باتجاه الحلول العسكرية.

تلك الحقائق تجعل من الضروري أن تتحرك جامعة الدول العربية باتجاه النهج السلمي ودعم الأطراف العربية المعنية لتسوية المشاكل الليبية,مرتكزة على جملة من العوامل في مقدمتها انحيازها لخيار التسوية السياسية لهذا الصراع واللجوء إلى الحوار ورفض التدخل الأجنبي والمحافظة على الهوية الوطنية للدولة والحيلولة دون تفكيكها وتقسيمها ودفع البلاد إلى المزيد من الاستقطاب على أسس عرقية وقبلية ودينية.

والمؤكد أن للجامعة العربية دوراً فاعلاً ومؤثراً,إلا أن المعضلة تكمن في حدود وفعالية هذا الدور في ظل ما يشهده النظام الإقليمي العربي من حالة التباس وتعقيد تمتد إلى العديد من وحداته المؤثرة,الأمر الذي أثر سلباً - بالضرورة - على هذه الفعالية,ومع ذلك فإن الجامعة نجحت في بلورة توجهات رئيسية يمكن أن تشكل عنصراً مساعداً للجهود الدولية بدفع مختلف الأطراف لتبني الأسس التي من شأنها إنهاء الأوضاع المتوترة.

أمام الجامعة الآن دور عربي واضح وخاصة من جانب دول الجوار التي تبدي حرصاً واضحاً على تقديم كل الدعم والإسناد السياسي للحوار الوطني الليبي وتدعو الأطراف الليبية للتحلي بالمرونة وإعلاء مصلحة ليبيا العليا,ولاشك في أن تأييد الجامعة للتحركات العربية ولخريطة الطريق التي برزت في القاهرة كأساس للتسوية يوفر أرضية جيدة أو بالأحرى غطاء إقليمياً وعربياً مناسباً للتسوية المنشودة التي نفضلها «عربية» لما لذلك من تأثير على قضايا عربية أخرى.

 

Email