إيران.. إمعان في اللعبة الخاسرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

دشن مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة حقبة متاعب جديدة أمام إيران قد لا تنتهي بإنهاء امتداداتها الواسعة والمتشعبة، بل قد تصل لأبعد من ذلك.

فأحد أبرز التحديات التي تواجه إدارة الرئيس الأميركي الجديد وضع استراتيجية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار ما تراه من عيوب خطيرة في الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة سلفه، وممارسة الضغوط الكفيلة بإنهاء السرية التي لا تزال تحيط بالعديد من الأنشطة والخطط النووية الايرانية؛ فالولايات المتحدة ترى.

ويشاركها الغرب عموماً، بأن طموحات طهران النووية التي لم تتراجع مع توقيع الاتفاق المشار إليه تشكل مخاطر لا تقتصر على أمن المنطقة واستقرارها، بل تتجاوز ذلك على الأمد البعيد لتصبح تهديداً فعلياً للغرب أيضاً.

وليس بخاف أن توقعات إدارة الرئيس أوباما أن يقود الاتفاق إلى جنوح إيران نحو الواقعية والاعتدال في سياساتها لم تكن في محلها؛ فقد حصل ما هو عكس ذلك، فإيران لم تصبح أكثر اعتدالاً، بل أكثر جرأة وعدوانية في مقارباتها لشؤون المنطقة، وتزايدت استفزازاتها ضد القطعات البحرية الأميركية بشكل مباشر أو من خلال بعض الميليشيات التي تدور في فلكها.

وأصبحت أكثر إصراراً في مواصلة تجاربها على الصواريخ البالستية التي يعتبرها الخبراء العسكريون الغربيون جزءاً من برنامجها النووي.

والحقيقة أن تهاون إدارة الرئيس أوباما في المواجهة والردع، حرصاً على عدم تعريض الاتفاق النووي للخطر، قد شجع إيران وأغراها باللجوء إلى المزيد من التصعيد من منطلق القناعة بأن ذلك يخدم مشروعها الهادف للسيطرة على المنطقة.

في هذا السياق وجه الرئيس ترامب الكثير من الانتقادات لسياسات سلفه منتهكاً بذلك تقاليد المؤسسة الأميركية الحاكمة، ففي ما يتعلق بالموقف من إيران بالذات اتهم الرئيس ترامب سلفه أوباما بالضعف حين أشار بأنه، أي ترامب، لن يكون لطيفاً مع إيران كما كان سلفه.

ولم يتردد الرئيس ترامب باتهام إيران بأنها الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وهو اتهام يبرر من حيث المبدأ شن حرب عليها، إلا أن من المبكر التكهن بالمدى الذي ستذهب إليه إدارته عملياً، فأمامه خيارات عديدة تتجاوز فرض العقوبات التي سبق أن فرضت على طهران.

وتشير سياقات الأحداث إلى أنه من غير المتوقع أن تخوض إدارة ترامب منازلات دبلوماسية مع إيران، ولكن هناك أكثر من مكان مرشح لمنازلتها عسكرياً في سوريا والعراق وفي المياه الدولية، وربما في الأراضي الإيرانية نفسها.

وعلى الرغم من أن التصعيد الإعلامي والتهديدات المتبادلة التي نشهدها قد لا تكون مؤشراً حقيقياً على مستوى الصراع بين واشنطن وطهران، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أننا أمام طور جديد في حقبة العداء المستحكم بينهما، فالتصعيد الأميركي ضد إيران ليس موقفاً انفرادياً تتخذه إدارة ترامب، بل خطوة تأتي بالتنسيق مع أعضاء المجتمع الدولي الذين ينظرون بجدية إلى خطورة توسع النفوذ الإيراني.

ولكن مع ذلك، ليس لدينا حتى الآن من البينات ما يكفي للتكهن على أسس موضوعية بمدى رغبة الإدارة الأميركية بتفعيل مواقفها السياسية وترجمتها إلى إجراءات على الأرض، فالرئيس ترامب لم يستبعد خيار استخدام القوة لمواجهتها.

ولكن هذا التهديد سبق للرؤساء قبله أن أشهروه دون أن يذهبوا به إلى أبعد من ذلك، فالرئيس أوباما قد انحاز لخيار الحل السياسي الدبلوماسي متخلياً عن خيار استخدام القوة في ضوء قناعات مستشاريه العسكريين بأن الغارات الجوية لن تتمكن من تدمير البرنامج النووي الإيراني.

لقد حاولت إيران على مدى السنوات المنصرمة التقرب من الولايات المتحدة مستغلة الحرب على الإرهاب لتسويق نفسها والميليشيات التابعة لها في المنطقة كقوى مدربة وجاهزة لذلك، متجاهلة حقيقة أن محاربة الإرهاب أصبحت تخضع لرؤى أيديولوجية وتحالفات إقليمية ودولية تسمح بوضع وتحشيد القدرات في أطر استراتيجية متكاملة، فكرياً وسياسياً واستخبارياً وعسكرياً، وهو ما لا يمكن لإيران وللميليشيات التابعة لها أن تصبح جزءاً منه.

المعضلة التي تواجهها إيران تتمثل بأنها تواجه موقفاً أميركياً جدياً، في الوقت الذي تفتقر فيه لوجود حليف استراتيجي تعول عليه في حالة تعرضها لمواجهة حقيقية مع الولايات المتحدة، فقد أفسدت بسياساتها علاقاتها مع الجميع، بينما القوى المتحالفة معها في سوريا والعراق ولبنان واليمن هي قوى هامشية تعتاش عليها.

ولا نفع منها أمام أخطار ترتبط بالمواجهة مع أميركا. وهي بالتالي غير قادرة على خوض مثل هذه المواجهة العسكرية، بينما التصعيد الإعلامي هو مجرد خطاب يقارب الداخل الإيراني فحسب في لعبة خطرة وخاسرة.

 

Email