كلفة الإرهاب ومحاربته في دولنا العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كعادتها في كل يناير تستضيء مكتبة الإسكندرية بندوة فكرية دولية عن مواجهة الفكر المتطرف «العالم ينتفض متحدون في مواجهة التطرف»، وكم أتمنى أن تأتي ندوة العام المقبل بعنوان «العقل ينتفض».

فبرغم عمق أبحاث ومشاركات عشرات من كبار الباحثين والمفكرين الذين أسهموا في صياغة منظومات فكرية شديدة الرقي فإننا لم نزل بحاجة لإيقاظ العقل المصري والعربي والإسلامي كي ينهض ليشكل بذاته حاضنة لفكر تقدمي وليبرالي يسهم في تحويل مناهضة التطرف، سواء أتى فكراً أو تفجر عنفاً، إلى مسار شعبي يصعب اختراقه واصطياد شبابه إلى جهنم التطرف.

ولقد شاهدنا ذلك مجسداً في فيلم عن بعض أحداث الإسكندرية (يناير 2011) عندما قام غوغاء وحمقى وإخوان إرهابيون ومدفوعون من الأعداء أوهموهم أن إحراق المباني الحكومية والأمنية هو فعل ثوري ووطني، وما هو كذلك ولو بأقل قدر.

بالمقابل وقف شباب صفوفاً بالمئات ليحموا مكتبة الإسكندرية لأنها أشعت عليهم استنارة ومعرفة وفنوناً وبهجة فاعتبروها رمزاً للأمل الثوري وحرسوها، فظلت متألقة في مواجهة الحرائق الحمقاء والتأسلم الإرهابي. وهكذا قدم د.إسماعيل سراج الدين رئيس المكتبة نموذجاً عملياً ساطعاً كي يذكر الجميع بضرورة تحرير العقل الجماعي للشعب كسبيل مؤكد لمواجهة الإرهاب.

وواصل سراج الدين تقديمه لدور المكتبة فيها أكبر قاعة قراءة في العالم تضم 2000 مقعد، توالى عليها 600 ألف قارئ، أما موقع المكتبة الإلكتروني فقد حظي بمتابعة 200 مليون مشارك من مختلف البلدان، وما دمنا نتحدث بالأرقام فإليكم أرقاماً وردت في أبحاث الندوة:

تكلفة الإرهاب والصراع ضده في البلدان العربية، تبلغ 5.1 تريليونات دولار و500 مليار قيمة دمار البنية التحتية.

هناك 19 اتفاقية دولية ـ ومئات من قرارات وعهود دولية وإقليمية لمواجهة الإرهاب. وبعد سبتمبر 2001 صدر القرار 1373 ويتضمن اعتبار أي دولة أو منظمة تمول أو تمتنع عن إيقاف تمويل العمل الإرهابي راعية للإرهاب. ولكن الدول الكبرى الراعية الفعلية للإرهاب تربك العالم أجمع بإطلاق عشرات التعريفات المختلفة لكلمة إرهاب.

وقد رفضت الأمم المتحدة (جمعية عمومية - مجلس أمن ـ ومنظمات متخصصة) وتحت ضغط أوروبي وأميركي، وحتى زمن قريب اعتبار الإرهاب جزءاً من الجريمة المنظمة، ثم أطلق عالم سويسري 119 تعريفاً لكلمة إرهاب بما مكن الفاعلين الأصليين يفلتون ويتهمون على الصغار.

يوجد 5000 مواطن أوروبي يحاربون في صفوف داعش، 10 في المئة منهم من معتنقي الإسلام حديثاً، والنسبة الأكبر أتت من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا. ويوجد 8000 من تنظيمي داعش والقاعدة في دول المغرب العربي، و1700 في دول البلقان و300 في مصر.

وهناك تصريح لترامب في حملته الانتخابية يقول «يمكن أن ندمر الإرهابيين في ليبيا بشرط أن نأخذ بالمقابل نصف بترولها». إنها مسألة لا تليق بالدول الكبرى.

والأرقام كثيرة أتت في حوالي 40 تقريراً وخطاباً لباحثين عرب أوروبيين وصينيين وماليزيين، وتتوالى معلومات غاية في الأهمية.. والتريليونات لو أنفقت في البناء والتقدم لأصبحت الدول العربية غاية في التقدم. ويأتي بعد ذلك ترامب ليطالب بنصف بترول ليبيا مقابل تنظيف آثار ما أرتكبه أسلافه.

إن أهم الواجبات هي إيقاظ العقل العربي ـ الإسلامي وتحريكه باتجاه المستقبل والتقدم والفكر الانتقادي ليستطيع أن ينهض ليحمي حركة التجديد، كما حدث إزاء مكتبة الإسكندرية تقديراً لدورها التنويري. وأن الأمر يتطلب تعليماً جيداً ومستنيراً حقاً وسعياً جدياً لإنهاض إرهاصات الاستنارة في العقل العربي الإسلامي.

إن تهميش الأقليات الإسلامية في الدول الأوروبية الكبرى ألمانيا (4 ملايين مسلم) فرنسا (5 ملايين) ـ بريطانيا (قرابة المليون) هو واحد من أسباب الموجات الإرهابية، فهم لا يشعرون باندماجهم الفعلي في مجتمعات ولدوا فيها بسبب عدم تمتعهم بحقوق مواطنة كاملة أو فرص عمل متكافئة.

ولعل هذا هو أحد أسباب هستيريا الإسلاموفوبيا واتهام الإسلام (الدين) بأنه متطرف بذاته دون أن يعترفوا بمسؤولياتهم الاجتماعية والاقتصادية ذات الجوهر الاستغلالي والتمييزي إزاء هذه الأقليات.

وعندنا نحن إعلام مشبوه يمزق بسكاكين التطرف الاستقرار العقلاني عبر بث برامج متطرفة مليئة بالكذب والافتراءات والتشدد وتفتيت المجتمع وتغرس في أعمق أعماق الناس التعصب والتطرف ورفض العقل والعلم واحترام الآخر، فتضع «فيروس» التطرف عميقاً في العقل فيصبح الأفراد أدوات تحمي التخلف والتطرف والتعصب والقائلين بكل ذلك.

وتعرض كل من ينطقون بالوعي والعلم والمنطق والإسلام الصحيح لهجوم عاصف، فيأتي سلاح التأسلم ليغرس في قلوبنا ما يحمى المتأسلمين، ويحاصر ويهاجم دعاة التقدم.

والأزهر الشريف يتحرك ويبذل جهداً ويحاول، ولكن بشكل غير كافٍ، ومرصده يحاول إسماع كثيرين في العالم، ولكن البعض يحاول إلقاء العبء كله على الأزهر وحده، وتوجيه اللوم له كي يغسل المخطئون أيديهم من الخطأ المتمثل في تعليم متخلف سواء في مناهجه أو كتبه أو مستوى مدرسيه أو طبيعة المبنى المدرسي وتجهيزاته.

ونؤكد ضرورة أن نتسلح بتعليم جيد ومستنير، ولنراجع برامج تفسير الأحلام وإعلانات بذيئة تدخل بيوتنا وتستقر في أعماق وعي أطفالنا وبرامج تصرخ بلا وعي ولا ضمير فتملأ النفوس غضباً وتشحن العقول تخلفاً وساعتها نلوم الأزهر وحده ظالمين له ولأنفسنا.

Email