فيل في متحف خزف

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتصرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مثل فيل في متحف خزف، غير أن العالم المنهك المتشظي، الذي بالكاد يتمالك أنفاسه، يحتاج إلى عقلانية في التعامل وتضميد الجراح التي تنزف من جسد الإنسانية، وإلى ثني الإنسان عن اندفاعه إلى الغابة، لا إلى من يدفعه إليها على عربة الطائفية والعنصرية، وبقرارات كالتي اتخذها ترامب ضد المسلمين، وبناء جدار يفصل بين الشعبين الأميركي والمكسيكي، الذي لو تواصلت وحدة الولايات الأميركية لضمته وكان الآن.. أميركياً.

يحتاج العالم إلى سياسيين مثل مادلين أولبرايت، أول وزيرة خارجية أميركية، التي قالت في تغريدة عبر حسابها على موقع «تويتر»: «لقد نشأت كاثوليكية، وأصبحت بروتستانتية، واكتشفت لاحقاً أن عائلتي يهودية. والآن أنا مستعدة للتضامن وتسجيل نفسي كمسلمة». قد تفعلها وتغير اسمها إلى مريم أو منى أو منتهى... إلخ.

استهجن أغلب الشعب الأميركي موقف ترامب، وتعهّد العديد بالوقوف تضامناً مع المسلمين الأميركيين، لكن يبدو أن تغريدة أولبرايت قد ألهمت الآخرين للتعبير عن هذا التضامن، بمن فيهم الممثلة الشهيرة ماييم بياليك، التي تجسد دور آمي فرح فاولر في مسلسل بيغ بانغ ثيوري، أحد أكثر المسلسلات الأميركية شعبيةً، وهو ما قد يدفع مشاهير آخرين ليحذو حذو أولبرايت، فكتبت بياليك في تغريدة: «أنا يهودية.

أنا مستعدةٌ لتسجيل اسمي كمسلمة، تضامناً معهم، إن تمّ إنشاء قاعدة البيانات هذه»، تعني شعوب الدول التي قرر ترامب منعهم من دخول أميركا.

وأضافت المعارضة العلنية لترامب لاحقاً: «إن كنا نسجل الناس الذين نعتقد أنهم يشكلون تهديداً، فيجب تسجيل الذكور البيض أيضاً، نظراً لأن معظم القتلة المتسلسلين ومطلقي النار بشكل عشوائي، هم من الذكور البيض».

فقد أظهرت دراسة جديدة من جامعة ديوك، قام بها عالم الاجتماع تشارلز كورزمان، بعد تدوين البيانات عن الهجمات التي ارتكبت من قبل «المسلمين الأميركان».. أنّ هذا الإرهاب يشكّل الثلث من واحد في المئة من جميع جرائم القتل في الولايات المتحدة الأميركية.. وفيها 46 مسلماً فقط من أصل 3.3 ملايين أميركي متورطين بالتطرّف العنيف في الداخل أو الخارج عام 2016..

أما الحروب الأسوأ تاريخياً من حيث عدد الضحايا، فهي كما يلي: الحرب العالمية الثانية، حصدت أرواح 50 مليون إنسان، الحرب العالمية الأولى بأقل تقدير حصدت 15 مليون روح، حملات نابليون ثلاثة ملايين ونصف المليون إنسان، الحملة الصليبية مليون إنسان، الحرب على العراق بين 2003 - 2007، فقد أريقت دماء مليون وثلاثمئة وثلاثين ألف إنسان، ناهيك عن أعداد ضحايا قنبلة هيروشيما وتجارة الرقيق.

أما أسوأ القتلة الأفراد، فمعظمهم ليسوا مسلمين، وفي مقدمهم طبعاً هتلر. ولا يذكر التاريخ وجود قتلة متسلسلين في المناطق العربية والشرق أوسطية، إذا تمّ استثناء بعض الرؤساء وقادة بعض المليشيات المسيحية والإسلامية في بعض المناطق.

ولا يمكن طبعاً التغاضي عن أن جميع الهجمات الإرهابية التي تمت منذ 11 سبتمبر 2001 إلى الآن في أوروبا وأميركا، لم يكن متورطاً فيها أي شخص من الجنسيات السبع الواردة في قرار ترامب، القاضي بمنع دخول أميركا، بل جميعهم كانوا يحملون جنسيات أخرى.

المفارقة أن أكثر البلدان أمناً بالعالم، هي ثلاث دول، منها دول عربية، ويوماً ما كانت سوريا من بينها. وهذه الدول كما تورد الدراسة: فنلندا، قطر، الإمارات، آيسلندا، النمسا، لوكسمبورغ، سنغافورة، عُمان، البرتغال، سويسرا، هونغ كونغ، سلوڤينيا، إيرلندا، بلجيكا، هولندا، النرويج، السويد، ألمانيا.

هل عاقل من يضع جميع المسلمين الذين يبلغ تعدادهم 1.6 مليار، ويشكلون حوالي 24 في المئة من سكان العالم.. في مصاف الإرهاب؟، وهل من المنطق محاولة عزل منطقة كاملة من العالم، باعتبارها بؤرة للموت، ولا بد من إبادتها، ومنح تصاريح حياة للبعض دون الآخر؟

وثمة حقيقة مزرية في ما يقوم به ترامب، وهي أن البعض يمتلك من المازوشية للتسليم بكل حقيقة تقال عنه، دون البحث ودون الدفاع عن حقه بالوجود، واعتبار نفسه ضحية وقاتلاً بآن واحد!!

لكن ترامب لا يسمع صوت الملايين الذين خرجوا في مظاهرات ضده في الولايات المتحدة، ولا يرى أبعد من قراراته. فقد أقال المسؤول بالوكالة عن إدارة الهجرة والجمارك، دانيال راغسديل، وعين مكانه توماس هومان، وذلك بعيد أقل من ساعة على إقالته وزيرة العدل بالوكالة، لرفضها تطبيق قرار منع رعايا سبع دول إسلامية من السفر للولايات المتحدة.

أما بالنسبة للقرار المثير بشأن بناء جدار مع المكسيك لمنع التهريب، فإن ترامب المعجب بجدار الفصل العنصري الإسرائيلي، يتخبط أيضا، ففكرة الاحتماء خلف الأسوار هي فكرة قديمة.

ولكنها فكرة بالية، تدل على الجبن والضعف، فقد سبق أن بنت فرنسا (خط ماجينو) الشهير، بينها وبين ألمانيا، وجهزته بكافة الأسلحة، إلا أنه لم يصمد في الحرب بضع ساعات، وتنزه (هتلر) في شوارع باريس. كما أن خط بارليف الذي بنته إسرائيل لحمايتها من مصر، ما لبث أن تهاوى أمام قوة الجيش المصري في حرب 1973.

واضح أننا أمام واحد من احتمالين: إما أن يدمر ترامب أميركا، وإما أن تدمر أميركا ترامب!*

 

Email