إيران والسلاح النووي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترتكب الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة خطأ لا يغتفر في حق مصالحها وفي حق أصدقائها وحلفائها في الشرق الأوسط، وفي أماكن أخرى، لو لجأت في لحظة انفعال وغضب من ذاك الذي يبدو أن الرئيس الجديد دونالد ترامب يقع في براثنه من حين إلى آخر، إلى إلغاء الاتفاق الذي تم الوصول إليه مع إيران بإجماع دولي.

وبهذا الخطأ الفادح الذي نرجو - أن يتغلب عليه العقل - سوف يعطي الرئيس ترامب للمتشددين الإيرانيين سبباً هم أكثر من يبحث عنه لاعتبار الاتفاق كأنه لم يكن، والمضي في طريق هذا الخراب بعينه على المنطقة وعلى إيران نفسها.

وفي إسرائيل حليفة الولايات المتحدة، هنالك الكثير من الإسرائيليين الذين يرون ضرورة الإبقاء على الاتفاق مع إيران لعدم مضيها في صناعة السلاح النووي، ولا يعارض هذا الاتجاه سوى القليل من الإسرائيليين ومن بين هذا القليل نتانياهو المتطرف والصهيوني المتعصب الذي يعد بقاؤه في الحكم سبباً سيجلب لإسرائيل ولجيرانها مزيداً من التطرف والعنف والإيذاء.

الحقيقة أن التفكير بصناعة الذرة والتخصيب النووي راودا الإيرانيين منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، وكان الشاه متحمساً لصناعة هذه الأسلحة اقتداءً بالهند ثم الباكستان، الدولتين الآسيويتين اللتين عُرفتا بامتلاكهما هذا السلاح المدمر، ناهيك عن إسرائيل التي وإن كانت على علاقة حسنة مع عهد الشاه في إيران، لكن حكومة الشاه كانت ترى أن وجود بلدها بالقرب من دول ذات قدرة نووية يستدعي أن تقف إيران مماثلة لها أو في صفها من حيث القوة العسكرية.

الغريب أن الولايات المتحدة هي البادئة من بين الدول في تزويد إيران بالتكنولوجيا النووية وبإقامة مراكز تتعلق بهذه التكنولوجيا، وما مركز بو شهر، الواقع على الخليج، الذي أقيم بدعم فني وتكنولوجي من الولايات المتحدة إلا دليل على أن أميركا موافقة ومرحبة بالفكرة التي تبناها الشاه آنذاك في منتصف الستينيات.

كما تمت الإشارة إليه، ومن الحقائق الثابتة أيضاً أن الانقلابيين الذين خلفوا حكومة الشاه في إيران عام 1979، كانوا ورثة لمعامل ومحطات شبه جاهزة وما قاموا به بعد ذلك مجرد إضافات بدعم فني من كوريا الجنوبية ومن باكستان ومن بعض الدول في أميركا اللاتينية.

وما الخلاف الذي أدى إلى معارضة الولايات المتحدة على الاتجاه الإيراني الجديد إلا خلاف سياسي أيديولوجي بين عهدين مرت بهما إيران، عهد الشاه الصديق الحليف، وعهد الانقلاب الخميني المناوئ والمخاصم للولايات المتحدة ومن يلف لفها من الدول.

ومن هنا يتضح بما لا يدع مجالاً لأية ريبة أن التغيير الذي حدث في إيران عام 1979، هو الذي أدى إلى تغيير في موقف الولايات المتحدة، وأن النظام الإيراني لو بقي على ما كان عليه، لكانت الولايات المتحدة الداعمة الأولى لاستمرار إيران في امتلاك التكنولوجيا الكاملة لإنتاج الأسلحة النووية والشبيهة.

ومن غرائب الصدف وما مر من حوادث، أن أميركياً كتب كتاباً في العام 1976، وهو بول إيردمان، واسم الكتاب التحطيم في العام 1979، CRASH OF 79، وهذا الكتاب قرأه كاتب هذه السطور في وقت صدوره، وقد صور أحوال منطقة الشرق الأوسط وهي في حالة غليان عظيمة والشاه في إيران باسط ذراعيه بالوصيد.

ولو اطلعنا على نواياه لملئنا منه رعباً، فقد أصاب الشاه جنون العظمة وهوسها، وقام بصنع قنبلة ذرية وألقاها على منطقة مجاورة لإيران، وجاء الخراب المدمر، وهذا الخراب لا يكتفي بتدمير المكان الذي ألقيت عليه القنبلة ولكن شمل الخراب والدمار إيران نفسها، فأصبحت قاعاً صفصفاً وذرت الرياح كل ما فيها من معمار.

الواقع أن الأمر كان لا يتعدى الخيال لصاحب كتاب CRASH OF 79، ولكن الخيال كان يصحبه شيءٌ من دقة الحدس والتوقعات، إذ وقع التحطيم (أو الكراش) ليس على يد الشاه للغير بل على رأس الشاه نفسه في العام 1979، وذهب الشاه محطماً يبحث عن مأوى، وأصبح الحال كما يقول القرآن الكريم (وتلك الأيام نداولها بين الناس).

Email