الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقة الأميركية الخليجية قديمة، وتعود إلى القرن التاسع عشر، حيث كان العمانيون أول الخليجيين، الذين مخرت سفنهم العُباب إلى الولايات المتحدة، ثم جاء الأميركان إلى السعودية باتفاق للمساهمة في استخراج النفط، واستغلاله في عهد الملك عبدالعزيز بن سعود في الثلاثينيات من القرن المنصرم، ومحاولاتهم بطرق غير علنية منافسة الشركات الإنجليزية لا سيما الشركة البريطانية للبترول B.P عن طريق توغل خبرائها في شؤون النفط إلى المناطق المؤدية إلى شرق الخليج، وما الكتاب الذي أعدته الشركات الأميركية النفطية، ومنها أرامكو في السعودية (قبائل الخليج) عام 1951، إلا دليل على مدى اهتمام الولايات المتحدة آنذاك بالمنطقة.

وجاء التأميم الإيراني للنفط المستخرج من أراضيها عام 1951 على يد الراديكالي الوطني المتشدد محمد مصدق، ليصيب بريطانيا بجرح بليغ، وكان الجرح الذي تسبب بالألم المزعج هو تعاطف الأميركان وراء الستار مع التأميم الإيراني لنفطها، وأدت خطوة الإيرانيين في تأميم نفطهم إلى تقليص كبير في هيمنة الشركات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط.

وبالذات في منطقة الخليج، ودخول الشركات الأميركية بشكل كامل في (الكونسرتيوم) وهي مجموعة الشركات، التي تكونت للمشاركة في النفط الإيراني.

ولم يُرد الأميركان إغضاب حلفائهم الدائمين الإنجليز، وأقدموا على محاولة إرضائهم بإعداد الانقلاب ضد مصدق، وإعادة الشرعية الكاملة لحكم الشاه، وفي الوقت نفسه ترسخ النفوذ الأميركاني في مناطق الخليج، وأصبح الأميركان أكثر اللاعبين وأكثرهم نفوذاً في منطقة الشرق الأوسط، منذ ذلك اليوم وحتى الوقت الحاضر.

وبغض النظر عن الفترات الماضية التي ساد فيها خطابات العنف والإعلام المتشنج، التي حملها القوميون الراديكاليون والشوفينيون والشيوعيون والبعثيون وأمثال هؤلاء الذين أفرزتهم الانقلابات المتوالية في البلاد العربية منذ العام 1952، ظلت بلاد الخليج على وجه الخصوص في مأمن من سيئات أعمال من وصفناهم أعلاه، واستطاع أهل الخليج أن يخطوا إلى الحياة الأفضل بخطوات ثابتة ومحسوبة حتى وصلوا اليوم إلى هذه الدرجة من تجنب الآفات، التي نخرت في أجسام أخرى.

وفي رأيي أن سياسة التقارب والانسجام مع الغرب، وبالدرجة الأولى مع الولايات المتحدة هي التي أعانت دول الخليج على تجنب الوقوع في المستنقع، الذي وقع فيه الآخرون، ولو تأثرت دول الخليج بالغوغاء الإعلامي، الذي شارك فيه حتى جماعات من الخليج في الكويت وغيرها، وبعد ذلك في الإمارات في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لكان خبرنا اليوم ليس على ما يرام.

وفي رأيي أيضاً أن فترة رئاسة أوباما للولايات المتحدة، التي استمرت ثمانية أعوام، وتنتهي هذه الأيام كانت فترة غير سيئة لدول الخليج إن لم تكن حسنة، فأوباما أثبت للملأ أنه يتخذ من طريق الاعتدال سبيلاً في كل ما يهم بلده من شأن، قد يعتبر البعض أن هذا الاعتدال أطلق العنان للفئة المخربة أن تمد ذراعها كثيراً هنا وهناك.

لكن عندي أن معالجة أوباما للأوضاع كانت ملائمة ومتسمة بشيء من الروية، والحقيقة أن خطاب التوديع للرئيس أوباما كان مؤثراً ودل على أن هذا الرجل ذو الملامح الأفريقية الشرقية، شخصاً في غاية الإتزان والوقارية، خاصة في الإصرار على وجوب التمسك بالمبادئ الديمقراطية والعدالة والتعددية، التي قامت عليها الولايات المتحدة أصلاً، وقد أعجبتني بعض العبارات التي وردت في خطاب الرئيس أوباما، ومنها أن علينا أن نكون متيقظين لا خائفين.

ومن نافلة القول أن نشير إلى أن التعاون والصداقة والمصالح المشتركة بين الإمارات العربية المتحدة وأميركا يجب أن تستمر بقوة، وأن تعمل الإمارات ما في وسعها أن تسد أية ثغرة قد تحدث في مثل هذه العلاقات القائمة، وعلينا أن نعتبر أن تحالفنا مع أمتين كبيرتين كالولايات المتحدة، والمملكة المتحدة البريطانية شيء في غاية الضرورة وتحتمه الظروف التي تمر بها المنطقة العربية.

وبالأخص تجاه الدول الخليجية، بسبب الإدارة الجديدة، فأميركا دولة مؤسسات، والطريق ليس ممهداً حتى تقوم مؤسسة معينة بالتغلب على الأخرى بشأن يقلب الموازين، ولكن علينا كما يقول الرئيس أوباما أن نكون يقظين لا خائفين.

في النهاية لا يفوتنا القول: إن الولايات المتحدة الأميركية ستظل القوة العظمى التي لا ينافسها أية قوة أخرى للعشرين سنة المقبلة مهما قيل عن هذه الدولة أو تلك ممن تحاول المنافسة واللحاق، فالبون لا يزال شاسعاً بين قوة أميركا في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا المدنية والعسكرية وبين غيرها من الدول، وسيظل الدولار الأميركي سيد العملات لسنين مقبلة من دون منازع، وكما قيل إن عطسة أميركا تؤدي إلى انتشار الزكام الحاد في جميع الأرجاء. وأعتقد أن في مثل هذه المقولة أو ما يشابهها شيئاً من الحقيقة.

 

Email