اصنع فرقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

تلك هي القيمة الحقيقية لمن يحيا على سطح الأرض وفي دنيا الناس؛ أن يكون رقماً صعباً ليس من السهولة تجاوزه وأن يكون لوجوده قيمة ولحياته معنى.

ما أصعب أن يحيا الفرد بالمفهوم البيولوجي؛ فيأكل ويشرب ويتكاثر ولم يشعر بوجوده، ثم يغادر الدنيا دون أن يفتقده أحد عند مماته! مع احترام آدميته كإنسان، غير أنه واحد مثل آلاف البشر. ما أصعب تلك الحياة حين لا يكون لوجودك علامة فارقة في محيطك مهما زادت رقعته أو انحسرت، ومع من حولك أياً كان عددهم!

فالعبرة ليست في العدد بقدر ما هي في الأثر، ورب سلوك قويم، أو رأي صائب، أو فكرة ألمعية، أو عمل صالح قمت به زادت قيمته بتبني غيرك له، ثم هكذا دواليك، وهل بدأت الأعمال الخالدة إلا في عقل فرد واحد، ثم لما رأى الناس فيها الخير صارت ديدنهم، فخلدت أصحاب السبق في القلوب قبل التاريخ.

ولأن للإمارات مع كل عام راية خير ترفعها فيها نفع للإنسان ورشد للإنسانية، والتي تراوحت بين عام الابتكار ثم عام القراءة، يأتي هذا العام لتعلن الإمارات للعالم أن 2017 عام الخير، الذي يحمل شعار «افعل خيراً.. واصنع فرقاً»، ذلك الشعار الذي اعتمده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وتم تزويد مختلف الجهات للعمل به عبر محاوره الثلاثة، وهي المسؤولية الاجتماعية، والتطوع، وخدمة الوطن.

إن عام الخير، الذي ينطلق من بلد الخير، الذي لا تنطلق من حدائقه السبع، التي عبرت عنها سعفة النخيل الذهبية بورقاتها إلا نسائم الخير، إنه نداء الفطرة إلى حقيقة الإنسان التي خلقه الله عليها، والتي تؤكد أن الفرق أنت الذي تصنعه، وقيمتك في الحياة أنت الذي تحددها، كما تحمل طاقة بداخلك يجب عليك أن تحدد مساراتها، وأن كل بني البشر لديه قدرات لكن كيف يمكن ومتى وأين توظفها؟

تلك هي المسألة، لذا فإن فتح أبواب الخير ومجالاته يستفز في النفس أجمل ما فيها، كيف لا وأنها باب السعادة لصاحبها أولاً ثم لمن حوله، فأكثر الناس انتفاعاً بأفعال الخير هم صانعوها، وأن يجب علينا أن ننظر في المرآة لنعرف أن من أمامنا هو ذلك الشخص الذي يعوق هذه الطاقة، وأن القيمة الحقيقية بداخلنا علينا أن نكتشفها وأن نطلقها، ذاك هو التحدي.

وتلك هي الفضيلة الحقيقية التي تجعل قيمة الإنسان تتعاظم حين يغالب نفسه فيغلبها، وحين يجد في العناء متعة وفي المشقة سعادة، وحين يكون من يأخذ منه أحب إليه ممن يعطيه، وأن من يحتاج إلى جهده أحب إليه من غيره. ولا شك أن من يجبل على صنيع الخير يذوق حلاوته، ومن ذاق عرف، ومن عرف فعل الخير ويصعب عليه أن يجد متعة في غيره أو أن يستقيل عنه.

وفي تقديري أن الإمارات وهي تعلن أن 2017 عام الخير، بعد أن حاصرت جموع شعوبنا العربية مشاهد القتل والدمار، توقظ بذاك النداء حقيقة الضمير الإنساني وحقيقة الإنسان ذاته، وتضرب المثل والنموذج كما هي النموذج التنموي الذي بهر.

ومازال، العالم من أقصاه إلى أقصاه، تؤكد أن قوة الخير الإنساني كانت وستظل هي الرافعة التي وصلت بها إلى تلك المكانة السامية لتقف شامخة متفردة، خاصة أن اتحاد الإمارات قام بالأساس على قوة فعل الخير للإنسان، الذي أراد أن يسعد شعب تلك المنطقة من العالم، في الوقت الذي فتح، ولا يزال، الأبواب لشعوب العالم للدرجة التي أصبحت فيه الإمارات مصنعاً للخير وعاصمة للتسامح.

«اصنع فرقاً» تعني أن عطاءك مهما كان بسيطاً فإن هناك من يسعد به، وأن ابتسامتك تمنح غيرك وتمنحك السعادة. أصنع فرقاً؛ تعني أن ثم مكاناً خالياً ينتظرك وأن هناك من ينتظر لتمد له يد العون لتغير من مساراته ومساراتك.

«اصنع فرقاً» تعني أن حياتك طويلة وممتدة بقدر ما تقدمه للآخرين، وأنك بفعلك ما زلت في دنيا الناس حتى ولو انقضت أيامك، وأن عمرك لا يقاس بعدد الأيام والأعوام بل بآثارك التي شيدتها. «اصنع فرقاً» هو بيان عملي تربوي لتعلم العطاء، وأن الحياة دواليك:

يومٌ يصنعه لك الآخرون، ويومٌ أنت تقدم فيه للآخرين. هكذا تبنى المجتمعات وتقام الحضارات. «اصنع فرقاً» نداء لاستنهاض الهمم وتشمير السواعد للعمل الجماعي كتفاً بكتف وذراعاً بذراع، وأن الفرد مقل بذاته لكنه بغيره ينتج عملاً كبيراً؛ لأن الجبال مهما كانت ضخامتها مبدؤها الحصى، وزخات المطر تشق أطول الأنهار وأعمقها، وفعل الخير يصنع الفرق.

 

Email