ترامب قادم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كالوجبات السريعة تحضر على عجل، تقدم على عجل، وقد تأتيك على اربع عجلات «ديلفري» الى بيتك تتناولها وانت مسترخ على اريكتك وامامك مشاهد القتل والذبح والقصف الى حد انك تتحسس بيجامتك ان كانت الدماء تراشقت عليها من شاشات الفضائيات، كذلك هي الوجبات السياسية في زمن الغابة الذي نعيشه.

حيث شهية البشر للحم البشر مفتوحة باتساع المقابر التي انتشرت في الأرض العربية، وحيث الموت قاعدة والحياة استثناء. كلاهما الوجبة والسياسة سهلة البلع صعبة الهضم و.. الفهم.

اذ كيف لنا ان نفهم هذا التبدل السريع في مواقف المتورطين في المستنقع السوري. وما الذي جعل من روسيا وتركيا اللتين كانتا على وشك الحرب اثر اسقاط تركيا الطائرة الروسية السوخوي 44 قرب الحدود التركية في الرابع والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني 2015، ان تتحول العلاقة بينهما من شفا الحرب الى منتهى الحب.

وان تشكلا مع ايران تحالفاً عسكرياً قلب موازين القوى في الصراع بالمنطقة؟

ومن تقلبات السياسة ايضاً ان يكون في واشنطن وفي نفس الوقت رئيس سابق أوباما، ورئيس لاحق ترامب. الأول عدو لبوتين روسيا يطرد 35 من دبلوماسييه والثاني معجب به مدافعاً عنه في وجه الاتهامات الموجهة الى اجهزة الاستخبارات الروسية بتدخل محتمل في الانتخابات الرئاسية الأميركية وهي الاتهامات التي حملت البيت الأبيض على اتخاذ عقوبات ضد موسكو. ترامب قال في منزله الفخم بفلوريدا، «اريد ان يكونوا متأكدين، لأنه اتهام خطير..

واريد ان يكونوا متأكدين منه». وذكر أن اجهزة الاستخبارات الأميركية قد اخطأت عندما اكدت ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل - الذريعة التي قادت الى التدخل الأميركي في 2003 - واصفاً هذا التدخل بأنه «كارثة لأنهم كانوا على خطأ». اضاف ان «من غير العدل» ان تتهم الولايات المتحدة روسيا بالقرصنة بينما لديها شكوك ولو بسيطة.

«اعرف الكثير عن القرصنة. القرصنة مسألة من الصعب جداً اثبات حصولها. لذلك يمكن ان يكون شخص آخر من قام بها. اعرف ايضاً اموراً لا يعرفها اشخاص آخرون، ولذلك لا يمكن ان يكونوا متأكدين مما حصل».

وسئل ترامب ايضاً عن الموقف الذي سيتخذه على صعيد الأمن المعلوماتي بعد تسلمه مهامه في البيت الأبيض في 20 يناير الجاري. واجاب «اذا كان لديكم شيء مهم، اكتبوه وارسلوه بالبريد، كما كانوا يفعلون في السابق، لأني سأقول لكم ان اي جهاز كومبيوتر ليس آمناً. اسخر مما يقولون، لكن اي جهاز كومبيوتر ليس آمناً».

بالمقابل امتدح ترامب بوتين لعدم رده بالمثل على طرد دبلوماسييه بل دعا ابناء الدبلوماسيين الأميركيين الى حفل رأس السنة في الكرملين. وكأنه يخرج لسانه استهزاءً بإدارة اوباما «ألم اقل لكم؟ بوتين رجل ذكي، ذكي جداً».

ترامب قادم بأجندة معاكسة تماماً لأجندة اوباما وفريقه ليس بالنسبة لروسيا وحسب بل من مجمل القضايا الدولية. وقد يفاجئ العالم بما هو غير متوقع اطلاقاً. وربما تكون المفاجأة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. لذلك يجب ألا نفرح كثيراً للموقف الأميركي في مجلس الأمن وعدم استخدام الفيتو ضد القرار (2334) المتعلق برفض الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.

فقد وجد وزير خارجية اوباما جون كيري نفسه في موقف تبريري لجهوده التي لم تنجح في تنفيذ حل الدولتين، وفي موقف دفاعي عن سياسته التي لم تتجاوز صدى المؤتمرات الصحفية بعد كل محاولة.

فاختار أن يقدم (مرافعة) دفاعاً عما قدمه كوزير للخارجية الأميركية، من خدمات لدولة (محتلة تنتهك حقوق الإنسان وتتنافى سياساتها مع المبادئ الأميركية)، ليقدم (خطة جديدة - قديمة) لحل الصراع الفلسطيني - العربي/‏ الإسرائيلي الذي لم تمثل جهوده إي إضافة نوعية في العملية السلمية.

وقد اشتملت خطته على ست نقاط، قدمت بصياغة محكمة، لتحتمل التباين في التفاسير عند التفاوض، فيما إذا اعتبرتها الإدارة الأميركية للرئيس المنتخب (ترامب) أساساً أو مرجعية للتفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي، ومن أخطر ما يقرأ بين السطور في تلك النقاط الست:

تأكيده حدود عام 1967 مع عمليات تبادل متساوٍ في الأراضي، فهل هي مؤشر للاحتفاظ بالمستوطنات، والتي يقارب عدد مستوطينها 800 ألف مستوطن، والتعويض بأراض فلسطينية محتلة أخرى – داخل (الخط الأخضر).

ثم تأكيده القرار 181 لعام 1947 باعتراف متبادل لدولتيْن وشعبين: يهودي وعربي... وهل هو مؤشر للتجاوب مع المطلب الإسرائيلي (بيهودية الدولة)!

أما قضية اللاجئين، فأصبحت في نظر كيري قضية دولية للبحث أو العثور على مساكن دائمة والتوصل إلى حل عادل وواقعي... وهي تنبع من التفكير الأميركي المعروف (بالبرغماتية) أو الواقعية والتي لا تلبي آمال اللاجئين ولا تمثل تعويضاً عن معاناتهم.

ولا ينسى كيري في (خطته) الالتزام الكامل بتلبية احتياجات إسرائيل الأمنية، وتوظيف جانب واحد من (المبادرة العربية) والذي يتمثل بالتطبيع الكامل وإقامة علاقات طبيعية ما بين جميع دول المنطقة لتعزيز الأمن الإقليمي للجميع.

بانتظار العشرين من الشهر الجاري (موعد تسلم ترامب سلطاته الدستورية) لا شيء ثابتاً ولا شيء مقدساً على الأرض، فالرجل قادم كالبلدوزر، قد يمسح خرائط وينشئ خرائط، ولا أحد يعلم ماذا يخطط ترامب إلا ترامب نفسه. لننتظر...!

 

Email