قرار مجلس الأمن 2334

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحياناً يأخذنا الشكل ويجعلنا نغفل عن المضمون، وينطبق هذا القول على صدور قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي طغى عليه الاهتمام بكيفية معالجة مصر لعملية إصدار القرار على مضمونه، ومن زاوية غير تلك التي ذاعت، فإن صدور القرار، وما لحقه من خطاب جون كيري وزير الخارجية الأميركي في 28 ديسمبر المنصرم، ربما يكون متوجاً ليس فقط لجهود مصرية بدأت منذ خطاب أسيوط الذي بدأ فيه الرئيس السيسي الحديث مرة أخرى عن القضية الفلسطينية وحتى الآن.

وقتها بدا الأمر كما لو كان محاولة صعبة، وربما مستحيلة، لبعث قضية لم يعد أحد يتذكرها، بل إن أهلها ذاتهم انشغلوا بصراع حياة وموت بين أنفسهم حتى إنهم أقاموا أمام العالم كيانين سياسيين منفصلين: واحداً في الضفة الغربية، والآخر في غزة.

ولكن القضية أيضاً مصرية؛ لأنها ببساطة تجري على حدودنا، والصلات منها ممتدة إلى مصر بالتاريخ والجغرافيا والأنفاق أيضاً، وكما يقال حقاً إنها قضية أمن قومي عملت مصر على التعامل معها بالحرب والسعي نحو السلام معاً، وبهذا المعنى كان خطاب الرئيس مرة أخرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير يفتح الباب على مصراعيه لحث جهود دولية جديدة من أجل التوصل إلى تسوية مقبولة لصراع طال عبر قرنين.

وربما لم تكن صدفة أن الفقرة التاسعة من القرار حثت الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية للعمل من أجل تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط «بدون تأخير» على أساس من قرارات الأمم المتحدة (بما فيها القرار 2334 بالطبع) ومرجعية مبادئ مؤتمر مدريد التي تشمل مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، وخريطة الطريق الخاصة باللجنة الرباعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في 1967؛ وتؤكد في هذا المقام مبادرة فرنسا لعقد مؤتمر دولي للسلام، والجهود الأخيرة للجنة الرباعية، وكذلك جهود مصر والاتحاد الروسي.

فالقرار رغم أنه يختص بالأساس بوقف عمليات الاستيطان الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ فإنه أيضاً معني بعملية السلام العربية الإسرائيلية في شمولها وكلياتها.

فالربط هنا عضوي بين الفقرات الخاصة بالمخالفات الإسرائيلية للقانون الدولي في عمومه، واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالتعامل مع الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية؛ فإن القرار يدلف في المادة الثالثة إلى ربط قضية المستوطنات برفض تغيير الحدود دون موافقة الأطراف، ومع المادة الرابعة فإن الاستيطان يحبط، ويعرض للخطر حل الدولتين.

وفي المادة الخامسة فإن القرار يدعو بوضوح إلى التمييز ما بين حدود الدولة الإسرائيلية قبل عام 1967 وما بعدها؛ فالأولى ليست موضوعاً للنزاع، وإنما الثانية هي تلك التي يدور حولها القرار.

وبالطبع فإن قرار مجلس الأمن يمكنه أن يصبح مثله مثل باقي القرارات التي سبقت؛ سواء من مجلس الأمن أو غيره من الأطر الدولية أو الإقليمية. ومن الممكن أن يوضع القرار، ومبادرة «كيري» التي قامت عليه، ضمن محاولات أوباما وإدارته للانتقام من نيتانياهو لما سبق من أفعال أهانت القيادة الأميركية واتفاقها مع إيران.

ولكن الحقيقة هي أن القرارات الدولية في إطار المفاوضات والدبلوماسية والسياسة في عمومها هي ما نفعله بها بحيث تمثل جسراً بين الأطراف المعنية أو أن تصير وسيلة لإثبات خطأ طرف بعينه.

فجوهر العلاقات الدولية والسياسة العالمية في عمومها هو أن التوصل إلى اتفاق بين أطراف متنازعة يحدث عندما يشعر كل طرف أنه يمكنه تحقيق أهدافه ومصالحه الجوهرية من التسوية أو الاتفاق على معاهدة سلام. وثورة إسرائيل الحالية على القرار ليست لما جاء فيه، وإنما لأنها ترى فرصة راهنة في المنطقة لكي تحصل على ما هو أكثر.

وعندما تسيل الدماء أنهاراً لدى خصم آخر، وعندما ينقسم الخصوم بين أنفسهم ومع خصوم آخرين، فإن الفرص تصبح سانحة لتحقيق ما لم يسبق العمل على تحقيقه. وتاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي كله قام على توسيع دائرة ما تريد إسرائيل الحصول عليه اعتماداً على ضعف وشقاق وتهافت دول عربية، وفشل فلسطيني مزمن في إقامة دولة ومؤسساتها.

تنفيذ القرار يكون بفهم معضلته الكبرى، وهو أنه جزء من عملية كبرى للسلام يتحدد فيها واجبات الجانب الإسرائيلي بوضوح وهو وقف الاستيطان، وقبول الانسحاب إلى حدود يجري التفاوض عليها اعتماداً على تفاهم مفاوضات أسلو وما بعدها بأنه من الممكن مبادلة الأراضي المتكافئة في الكم والكيف.

ولكن هناك أيضاً وضوحاً على ما يجب على الجانب الفلسطيني، والعربي من ورائه، للقيام به فيما يتعلق بالجانب الأمني للقضية والوقوف في وجه العنف والإرهاب.

باختصار فإن هناك العديد في القرار، وفي الخطوط العامة لمبادرة كيري، ما يغري بالتفاوض والعودة إلى مائدة المفاوضات. العجز هنا أن إدارة أوباما قد فعلت ما فعلته إدارات سابقة، وهي أنها قامت بالخطوة الملائمة قبل خروجها من السلطة بأيام قليلة، وهو أفضل قليلاً من إدارات أخرى فعلت ذلك بعد خروجها كلية من البيت الأبيض.

المهام المطروحة على مصر الآن، وقد بدأت هذه المسيرة، ثلاثة: وضع الجانب العربي والفلسطيني خاصة في صف واحد فيما يتعلق بالتسوية المقبلة وتنفيذ مبادرة السلام العربية؛ وإقناع إدارة نتانياهو، وربما الأهم الشعب الإسرائيلي، بأن أمن إسرائيل وسلامها مع المنطقة ممكن ويبدأ بتسوية القضية الفلسطينية.

وأخيراً إقناع إدارة ترامب المقبلة أن القضية ليست خلافاً بين إدارته والإدارة السابقة عليه على قرار مجلس الأمن، وإنما هي كيف يمكن جعل أمن الشرق الأوسط شاملاً تسوية عربية إسرائيلية كاملة.

Email