الناس سواسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتقدم الأمم والحضارات والمجتمعات من مرحلة إلى مرحلة أكثر تطوراً على الأقل في جانبها التقني والعمراني والثقافي، وتظل هذه الثّقافة فيها شيء من التجديد ونحن لو تقصّينا مراحل التطور في عالمنا العربي سوف نرى عجباً، تطورات إثر تطورات، ولكن يظل هُناك شيء مشترك يتعلّق باللغة والدين والعادات والتقاليد.

والذي نريد التركيز عليه هنا بشكل مُحدّد هو العادات والتقاليد التي تميز بعض الشعوب عن بعضها وهي أشبه بمقياس دقيق يقيس مستوى التطور لأي مجتمع، بل تُمثّل نَسَقَاً واضحاً يُبرز مصدره وحقيقته.

ولقد رَصدْتُ الكثير من العادات والتقاليد العربية، سواءً الإيجابية أو السلبية، ولكن لا بد من ابراز الجانب السلبي لها لخطورتها وتأثيرها على فكر ومزاج الإنسان العربي، ومن هذه العادات قضية التصنيف في العالم العربي بكل أشكالها ومستوياتها الثقافية والفكرية والقَبَلِيَّة والفِئَويَّة والطبقية والعِرْقيَّة.

ولكن أكثرها كارثيّة هي التصنيفات الطائفيّة والعَقَديَّة والتي تُعْتَبر التحدي الأكبر الذي يضع العالم العربي على فوّهة بُرْكان يغلي، قد تحْرقُ حِمَمُهُ الطائفية المُسْتعرة كل تاريخ وحضارة، بل وجود هذا العالم الذي يمر بظروف استثنائية خطيرة لا مثيل لها خلال مسيرته الطويلة.

هذه العادة العربية التصنيفية قد تُدخلنا في مَعْمَعة الأسئلة، لماذا التركيز على هذا التصنيف في هذا الوقت، حتى الأطفال في المدارس يسألون عن أشياء وأشياء تتعلق بخصوصيَّة الآخر معتقده وأصله وفصله.

المتفحّص للمشاركات العربية على وسائل التواصل الاجتماعي يرى العجب العُجاب، مُشاركات تنحو منحى التصنيفات لدرجة تهميش وتكفير الآخر..!

هكذا يتم تصنيفك علمانياً أو ليبرالياً أو...، لأنّك تقول شيئاً لا يوافق ما يريدون، والأدهى أن البعض يردّد أقوالاً وأقوالاً من دون وعي فكري أو قاعدة علمية رصينة.

في الامارات، الأمر مختلف، وسنبقى مميزين، والذي يرجع إلى عشرين سنة أو ثلاثين سنة الماضية أو ألف سنة من تاريخ قديم، فيه الكثير من الأقوال والقصص والأحداث، وإذا رجعنا إلى سنوات ماضيات إلى الوراء قليلاً وتحديداً إلى الأحياء «والفرجان» القديمة كان يتعايش فيها الكثيرون والمختلفون في بعض الأشياء، اللون والقبيلة والمذهب.

ولكنهم أسرة واحدة يحبّون بعضهم البعض ويبعدون عن التصنيف المُقيت، لهذا كان مجتمعاً جميلاً وما يزال وما زالت ذكرياته تستلهم الكثيرين، لأن التعايش السلمي والتسامح وتقبّل الآخر قيم إنسانية عُليا، والاختلاف شيء طبيعي تراه في جميع الكائنات بشراً، حيواناً، جماداً.

هذا الاختلاف وُجد لأن الله ربّ العزة والجلالة هو الخالق الفرد الصمد، فالأسود لا علاقة له بلون بشرته، والأصفر والأبيض.

ان أحترام الآخر وخصوصيته مسؤولية البيت والمدرسة والمجتمع لزرع ثقافة راقية لأن الإنسان لا يحقّ له بأي حالٍ من الأحوال تصنيف الآخرين على هواه وما يُريد لأن حريّته تقف عند التعدّي على حريّات وخصوصيّات الآخرين لأن القانون والحق والعدالة معهم دوماً.

لقد ميز الإسلام الإنسان على سائر الخلق، ولكن بالنسبة إلى بني آدم فقد جعلهم سواسية وأنه لا تمييز عند الله إلا بالتقوى، أما التمييز فهو مرفوض في الإسلام وفي كل الشرائع السماوية فمتى نعتبر ونعود الى الحق؟

 

Email