مأزق الاتصال السياسي

الاتصال السياسي هو أحد مجالات علوم الاتصال الذي لم يلق الاهتمام الكافي لدى الأكاديميين العرب، سواء أكان ذلك في مجال البحث أم مجال التدريس. فكم كلية أو قسماً من أقسام الإعلام يخصصه كمقرر أساسي في مقرراته؟ على الرغم من أنه حقل يمكن أن يحرث فيه علماء السياسة والاجتماع وعلم النفس وعلوم اللغة ناهيك عن علوم الاتصال. فلماذا إذاً هذا التقصير؟

الاتصال السياسي هو حقل مليء بالألغام، ففي مجتمعات تفتقر إلى الديمقراطية، ومجتمعات تفتقر إلى حرية التعبير ومجتمعات ما زال مقص الرقيب الخفي يحذف ما يريد، فإن خوض مجالات الاتصال السياسي يظل محفوفاً بالمخاطر.

في بلداننا العربية ما زال الإعلام بطريقة أو أخرى يعاني من تأثيرات متعددة ، على الرغم من أن مئات المحطات الفضائية، مثلا، هي ملكية خاصة، إلا أنها في نهاية الأمر محطات تخدم اتجاهات ترتبط بالسياسة.

مئات المحطات هي محطات ترفيهية، فالترفيه أساساً بأسلوبه الحالي في بلداننا العربية هو أجندة سياسية بامتياز.

ولا تقل لي أن العديد من المحطات هي محطات دينية محضة، لأنها كذلك تخدم أجندات سياسية بتفوق، رأينا منها ويلات الفتاوى التي تكفر الناس، ورأينا العديد منها منابر مفتوحة للعصبية والطائفية المقيتة التي تثير الفتن، لذا فهي سياسية ساهمت في صنع الجماعات التكفيرية.

ولغة الإعلام العربي لغة مُسيّسة تلعب بالمفاهيم، وتجعل من المصطلحات المستجدّة وما تحمله من معاني سبيلاً لتغييب الوعي، ونشر رسائل تعمل على تحطيم ثوابت القيم والعلاقات.

خذ مثلاً اللغة السياسية المستخدمة في الصراع العربي الإسرائيلي الذي كان محور الحياة العربية وقضية الأمة العربية الأولى، أين أصبحت المصطلحات التي كانت تعني بالنسبة لنا ثبات الحق العربي في فلسطين من النهر إلى البحر، وتمجيد الشهداء الذين يسقطون دفاعاً عن ثراها المقدس.

أين أصبحت لغة وسائل الإعلام مع هذه القضية؟ حيث انزلقت اللغة السياسية في وسائل الإعلام لتحمل مفردات الإعلام الغربي الصهيوني، لتوصيف ما يجري على أرض فلسطين.

والإعلام السياسي في بعض الدول العربية إعلام تابع، فهو يقتفي أثر ما تُسوّقه لنا وسائل الإعلام الغربية في خطابها الغربي، فالتصنيفات والمصطلحات التي نستخدمها، هي نفس ما يقدمه الإعلام الغربي لنا.

نحن نحتاج إلى إيلاء الاتصال السياسي أهمية قصوى، لأن رسائله هي التي تقوم بترتيب الأولويات لجماهيرنا، وتقوم بتأطير ما نقرأ ونشاهد، وهي التي تشكل الرأي العام لدى شعوبنا، وهي التي تشعل النار ولكنها لا تطفئها في بلداننا.

ونعيش اليوم في وطننا العربي مأزقاً في دراسات الاتصال السياسي. إذ ليس لدينا من الباحثين والأكاديميين المختصين في الاتصال السياسي؟ وليس هناك دراسات وأبحاث عربية منشورة في هذا المجال التي يمكن أن تدفع إلى الأمام في دراسة الاتصال السياسي.

إن الواقع العربي الذي يمور بالاضطرابات والحروب والفتن الطائفية والعرقية، وتحديات الجماعات التكفيرية وما نتج عن الجحيم العربي في السنوات الخمس الأخيرة هو مجال خصب لدراسة الاتصال السياسي وتفاعلاته ومآلاته في المجتمع العربي.

والدراسات التي ننتظرها يجب أن تلتزم الصراحة والجرأة في تناول الموضوعات السياسية، وهي موضوعات ذات أبعاد فكرية ومجتمعية، ولكنها في نهاية الأمر موضوعات متشابكة، وتصب في نهر واحد اسمه السياسة العامة في أي بلد من البلدان.

التوجه نحو دراسة الاتصال السياسي في جامعاتنا العربية مطلب أساسي، ويجب أن ننظر إليه في علاقته بالاتصال الثقافي والاتصال الدولي، في ظل تطور تكنولوجيا الاتصال التي جعلت العالم ساحة واحدة مفتوحة لكل ألوان الرسائل التي تصلنا من كل بقاع الأرض.