الإرهاب في العمق الآسيوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتقدنا أن مناطق العمق الآسيوي قد تكون بعيدة عن متناول داعش، أو على الأقل، أن نفوذها هناك ضعيف، فإذا بنا نكتشف أن جذور الإرهاب تمددت إلى هناك، لتترسخ، فتصبح خطراً داهماً، ففي دراسة أعدها د. حافظ نور الدين أحمد بجامعة يورك، نقرأ ما يثير الدهشة والفزع معاً.

الإرهابيون الآتون من إندونيسيا وماليزيا والفلبين، تدربوا وغسلت أدمغتهم، بحيث يصبحون بعد عودتهم مستعدين تماماً، ويمكن القول إن الإرهابيين الآسيويين يشكلون نسبة مهمة من إرهابيي المنطقة، وتاريخياً، بدأت المأساة منذ التدخل السوفييتي في أفغانستان، حيث تدافعت حكومات وقوى لتشحن الشباب المتحمس لقتال السوفييت، وهناك تدربوا، وتعارفوا مع الآتين من البلدان المجاورة لماليزيا، ثم كان إعلان داعش وتصاعد النشاط في العراق وسوريا، حافزاً لتجدد العمل الإرهابي وتصاعده.

في يونيو 2016، عاد إلى الظهور إرهابي ماليزي قديم، كان عضواً في «جماعة مجاهدي ماليزيا»، هو محمد رفيع الدين، لينشر على وسائل التواصل تهديداً صارخاً باسم إمارة داعش - ولاية ماليزيا - الذي سيبدأ العمل داخل الولاية خلال ستة أشهر، منادياً كل مسلم أن يعمل على قتل غير المسلمين بكل الوسائل والأدوات المتاحة له، وذلك تحت راية داعش.

بعد ذلك، توالت الأبحاث والتحليلات التي أكدت أن هناك 700 إرهابي من جنوب شرق آسيا في صفوف داعش في العراق وسوريا. وتختلف الأرقام، فالسلطات الماليزية تقول إن عدد الإرهابيين العاملين مع داعش في العراق وسوريا من ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وتايلاند، يتراوح مجموعهم بين 700 و1000 إرهابي، وقد قبض في 2003 على 113 إرهابياً منهم، والمهم في الموضوع، هو أن جميعهم اعتبر أن جنوب شرق آسيا ساحة واحدة، فعلى سبيل المثال، هناك عملية إرهابية ضد مول اتريوم بلازا بجاكارتا، والتي دبرها تسعة إرهابيين، كان ثلاثة منهم من الماليزيين، وقد قام واحد منهم، هو توفيق عبد الحليم، وهو طالب جامعي قبلها بفترة، بإلقاء قنابل على كنيستين في إندونيسيا، وهجوم على فندق جي دابليوماريوت في جاكرتا في أغسطس 2002. ثم في إلقاء قنابل على السفارة الأسترالية في إندونيسيا (سبتمبر 2004)، وقد ثبت أن كل هذه العمليات كانت على علاقة باثنين من قادة الإرهاب الماليزيين، هما نور الدين محمد وأزهري حسين.

تشير دراسة أعدتها وكالة التنمية الدولية بأميركا، إلى ملاحظة بالغة الأهمية، فتقول إن عدد الإرهابيين الماليزيين والإندونيسيين العاملين في صفوف داعش في سوريا والعراق، يصل إلى 450، أكثر من نصفهم ماليزيون، ثم تشير (وهذا مهم جداً)، إلى خطورة هذا الوضع، ذلك أن مجموع مسلمي ماليزيا 18 مليوناً، بينما مسلمو إندونيسيا يصل إلى 200 مليون، لكن الأمر ليس قاصراً على داعش، فهناك إرهابيون ماليزيون معادون لداعش، ويعمل كثيرون منهم في صفوف «أجناد الشام» و«جبهة النصرة»، وفي صفوف كل هذه المنظمات، بدأت عملية تدريب مجموعات ماليزية كانتحاريين، وتؤكد السلطات الماليزية أن هناك 46 انتحارياً ماليزياً ينتظرون الأوامر للتنفيذ.

تفيد المعلومات الأمنية، أن رفيع الدين قد نجح في تكوين شبكة داخل ماليزيا، وأنها قد بدأت في التنفيذ العملي، فقام أحد أعضائها «محمد واندي»، بتفجير كافتيريا موقادا في بوشونج (28 يونيو 2016). وقد نجحت قوات الأمن الماليزية في 15 يوليو 2016، في توجيه ضربة استباقية بالقبض على 15 إرهابياً متهمين بتدبير عملية لاغتيال رئيس الوزراء سري نجيب عبد الرازق، وتفاقم الأمر، بحيث أسست الحكومة الماليزية مجموعة POTA، وهي مجموعة مختصة بمقاومة الإرهاب في ماليزيا، والآن، فإن الأمر الذي يحتاج إلى تأمل، هو تنامي هذا النشاط الإرهابي في هذا البلد، فمن أي ثقب في هذا البناء الناجح تسلل الإرهابيون؟، وهل كان «فيروس» الإرهاب الإندونيسي أحد أسباب تمدد العدوى إلى ماليزيين، ومن ثم إلى ماليزيا؟، وفي هذه الحالة، ما السياج الضروري لحماية بلد ناجح ومتقدم؟.

يمكن أن يكون المخرج هو تجديد الفكر الديني القائم على فتح باب التأويل، والتأويل قد يأتي برأي خاطئ، فيكون حتى بخطئه مسموحاً به، لأنه مجرد محاولة إنسانية.. ومن ثم، فإن حرية الفكر.. وحرية الرأي وحرية التأويل تكون هي المخرج الحقيقي في ما أعتقد.

Email