ما بعد تحرير الموصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدور بيان نهائي يتم فيه الإعلان عن تحرير كامل أراضي الموصل بات قاب قوسين أو أدنى، وبالأحرى أصبح بالفعل مسألة وقت.

ربما لجأت بغداد لأطراف غربية وإقليمية طلبا للدعم اللوجيستي من الأسلحة والعتاد، وذلك أمر طبيعي ليس فيه غرابة خاصة في ظل الأوضاع والظروف الصعبة التي يمر فيها العراق منذ احتلاله عام 2003، أما الحديث عن التدخلات الخارجية المقصودة والملفوظة فهي تلك التي أدت إلى زرع داعش في المنطقة وتسهيل تمدده وتمويله تحقيقا لمآرب خاصة يسهل قراءتها في ضوء ما حدث بالمنطقة من حروب ودمار ومشاريع سياسية وإستراتيجية وديموغرافية.

تلك الحقائق تدفعنا إلى التأكيد على أن الأنظمة الوطنية قادرة بالفعل على حماية مقدراتها إذا ما أخذت زمام الأمور بأيديها شريطة التصدي للمؤامرات الخارجية وكذلك حماية المكونات المجتمعية والشعبية من التجاوزات العرقية والدينية المذهبية والطائفية.

وذلك حتى لا تصبح الدول والشعوب كالمستجير من الرمضاء بالنار، فتخرج من المواجهات ضد الإرهاب إلى حروب أهلية أكثر مرارة.. ولو بشكل مؤسسي يتمثل في حماية رسمية من جانب أجهزة حكومية تحت مظلة طائفية.

لعل ذلك هو ما فجر المخاوف من مرحلة ما بعد تحرير الموصل من داعش وإرهابه وبروز دور قوي لميليشيات الحشد الشعبي الشيعية والتي لعبت بالفعل دورا في دعم الجيش العراقي خلال معركته الجارية وكذلك في معارك سابقة مماثلة ولكن وسط أنباء عن أعمال طائفية انتقامية ضد أبناء المذاهب الأخرى.

وتعززت هذه المخاوف والمخاطر مع إصدار البرلمان العراقي لقراره الأخير- وسط انقسامات سياسية حادة مع القوى السنية - باعتبار قوات الحشد الشعبي ضمن مكونات الجيش العراقي مما يشرعن دورها ويمنحها الصفة الرسمية، بل ويحصن تصرفاتها.. وربما تجاوزاتها !.

ويبدو أن ممارسات الميليشيات وانتهاكاتها التي كشف النقاب عنها في أعقاب عمليات تحرير الفلوجة قبل بضعة أشهر، ومن قبل الرمادي وغيرها من المناطق التي تم تحريرها من قبضة داعش، تشكل نموذجا لما يمكن أن تمارسه في الموصل، مما عمق المخاوف من سلوكها في الأيام المقبلة وذلك على الرغم من التطمينات التي قدمها العبادي ووزير الخارجية ابراهيم الجعفري.

وتشير إلى أن عناصر الحشد الشعبي تخضع لرئاسة مجلس الوزراء وللعبادي شخصياً بحسبانه القائد العام للقوات المسلحة، وتلتزم بالتعليمات التي تنص على التعامل الانساني مع السكان المحليين، وهم في أغلبيتهم من السنة.

وما لم تتمكن الحكومة العراقية خاصة بعد قرار البرلمان من تحييد الحشد الشعبي على النحو الذي يوظف قدراته العسكرية وفي الآن ذاته يتجنب مساوئ ممارساته ذات الطابع المذهبي الإقصائي، فالمخاطر قد تتصاعد وقد تتجه الأمور نحو حرب أهلية بين السنة والشيعة، ومن ثم تهيئة الأمور لتقسيم العراق رغم الحديث المتصاعد عن أهمية الجهود الأممية لتحقيق مصالحة وطنية في هذا البلد الممزق.

وفي ضوء ذلك بات من الضرورة بمكان توفير ضمانات حكومية تتعلق بمسألة الإدارة اللاحقة للمناطق التي سيتم تحريرها ومستقبل محافظة نينوى ليس فقط بسبب العمليات العسكرية.

ولكن أيضا بسبب سياسة التصفية الجماعية التي قد تقودها ميليشيات «الحشد الشعبي» تحت مسمى عمليات التطهير، ما يستوجب من كل الفرقاء توظيف هذا القدر من التوافق باتجاه بدء مرحلة جديدة في العراق لإعادة بنائه على أسس وطنية وديمقراطية وبمنأى عن منهجية المحاصصة.

 

Email