كتاب في دقائق

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الحفاظ على الثوابت الوطنية، والاعتزاز بالثقافة الوطنية لا يتعارض مع الانفتاح على العالم من حولنا، بل يعد ضرورة لكي نعرف أين نحن، وما يميز ثقافتنا، وكيف يمكن لنا أن نسهم في إثراء الفكر الإنساني، في زمن أصبح من الصعوبة الفصل بين المحلي والدولي بشكل قاطع؟

إن الفكرة تدور حول العالم بسرعة فائقة، في ظل الثورة المعلوماتية، لذا بات الاطلاع على الفكر والقدرة على الانتقاء، ما يدعم ويسهم في مسيرتنا الوطنية، ضرورة حتمية ليس لنا خيار فيها، من هنا كان المشروع الثقافي المهم «كتاب في دقائق»، الذي تبنته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، والتي وصل إصداراتها إلى العدد مئة فكرة نوعية، وهذه الفكرة العبقرية تفتح آفاقاً كبيرة للمعرفة، من خلال كشف النقاب عن الفكر، الذي أسهم في بناء الحضارة العربية والإسلامية.

وربط الأجيال الجديدة بميراثهم الحضاري، الأمر الذي يعود بهم إلى المنابع الحقيقة لثقافتهم وقيمتها، فضلاً عن قيمة ذلك الفكر في مسيرة الإنسان عبر قرون ممتدة، في الوقت الذي يتم فيه إلقاء الضوء على إنتاجات الفكر العالمي، وبخاصة أن تحديد ما يجب أن يتم قراءته يوفر الوقت والجهد، وأن الدعوة إلى القراءة يجب أن يتماهى معها ماذا نقرأ.

وهو ما تعمل عليه المؤسسة من خلال إصداراتها، التي تتكامل موضوعاتها المتجددة، التي تركز على الطاقة الإيجابية، والإبداع والابتكار، والتنمية البشرية، وفنون التعامل مع الحياة، ونماذج ناجحة لمؤسسات وأفراد أسهموا في بناء المجتمعات، والأسرة والعائلة، وسبل الحفاظ عليها كونها نواة فعّالة في المجتمع الحديث، وفنون مجابهة تحديات الحياة، التي تشكل في مجملها الفكر النير والسلوك السوي والشخصية الإيجابية القادرة على مواجهة التحديات، وتحقيق النجاح والتميز.

إن مبادرة «كتاب في دقائق» تأتي متماهية مع سياسة دولتنا في بناء مجتمع المعرفة، وإعادة الشباب إلى الكتاب، وإعادة الكتاب إليهم ولو في دقائق، في عصر تعددت مصادر المعرفة، عبر الوسائل الإلكترونية الجديدة، التي اقتطعت من بعضها البعض، حتى ذهب البعض إلى أن الكتاب بشكله التقليدي في طريقه إلى الزوال أو سوف يكون جزءاً من التاريخ، غير أن مبادرة «كتاب في دقائق» استطاعت أن تقوم بأدوار متعددة في الوقت ذاته، منها أنها تقدم كتب أصيلة تراثية وعصرية بلغة سلسة، وتيسير المعرفة، التي يعد الكتاب وعاءها.

كما أنها قامت بترجمة الكتب العالمية، التي أحدثت أثراً في بناء الأفراد، لكنها مع ذلك قدمته وجبة فكرية خفيفة على شبابنا وليس هم فحسب، لكن أيضاً كل محب للقراءة لكي يقبل عليها دون تردد لأنها، بشكلها الجديد لن تأخذ منه بالفعل سوى دقائق، هذه الدقائق التي ستمد إلى ساعات، بعد أن يذوق من يقرأ متعة القراءة وجمالها وقيمتها وأثرها في نفسه.

الأمر الذي سيجعله يبحث عن الكتاب في حالته الأولى ليزيد من متعته، وهنا نكون قد أعدنا أبناءنا في بلدنا والعالم العربي للكتاب ولو تدريجياً، وإلى ثقافة القراءة وهي الأدوم والأكثر رسوخاً في العقل، لما يبذله المرء من جهد في تحصيلها.

ولا شك في أن ترجمة وتلخيص ثلاثة كتب شهرياً يسهم في بناء مجتمع مثقف قارئ، وفي الوقت ذاته يسهم في تنشيط حركة التأليف في الدولة، وبخاصة عندما تتبني مؤسسات رسمية أعمالهم وتعرضها للجمهور، كما أن ذلك يرشد في طبيعة المضمون ذاته بحيث، يحمل هدفاً وطنياً قادراً على صناعة الشخصية الإيجابية القادرة على تحمل المسؤولية في مسيرة وطنها.

إن القراءة هي الطريق الواسع للمعرفة، وإن المعرفة رغم ما بها من جهد إلا أن آثارها تمتد مع صاحبها يجني ثمارها في حياته، وتظل باقية بعد مماته، ورحم الله من قال «إن من لم يتعب في تحصيل العلم لساعات ذاق مرارة الجهل لأعوام».

إن هذه المبادرة الكريمة، والتي مر عامان على إطلاقها، ووصلت إلى الرقم مئة في كتبها، تمثل روحاً جديدة تسري في المجتمع لتوقظ لدى أبنائه قيمة المعرفة ولذة القراءة، ويمكن تعظيم مرددوها الثقافي، من خلال عمل مسابقات شهرية أو ربع سنوية في المدارس والجامعات والمؤسسات الشبابية وغيرها، وبخاصة أنها موجهة لجميع الفئات ومختلف الأعمار، حول الموضوعات، التي يتم طرحها، ومن الممكن استضافة المؤلفين لتلك الأعمال، ما يعزز من دورها التثقيفي، وإشاعة حالة من النقاش العلمي حول مختلف القضايا.

إن دعوة القيادة الدائمة لبناء الإنسان يترافق معها توفير مقومات ذلك البناء، وفتح آفاق المعرفة والتعلم واكتساب المزيد، عبر الاطلاع على تجارب الآخرين والاستفادة منها، لذلك إذا كانت المؤسسة تقدم كتاباً في دقائق إلا أنه سيكون لها أثر يمتد لسنوات وعقود.

Email