ثلاثة أسابيع في رحاب كاسترو

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعلها فرصة لم تتح للكثيرين أن تقضي أسابيع ثلاثة وأنت قريب جداً من فيديل كاسترو تتحاور وتتآلف وتتشاجر في مرح صاخب مع ذلك الزعيم المتفرد. ففي يوليو 1968 .

وبعد حضور لمؤتمر الدفاع عن شعب فيتنام في استوكهلم، وكالعادة يكون الطريق ذهابا وعودة عبر موسكو الحاضنة للمجلس العالمي للسلام. وفي طريق العودة فوجئت بأن طلبوا منى السفر إلى كوبا ضمن وفد مجلس السلام العالمي لحضور مؤتمر حركات التحرر في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

تذكرت عبارة ميكويان الشهيرة في أول زيارة لقائد سوفييتي لهافانا »لو جاء ماركس هنا لما صدق عينيه«. وبالفعل كانت كوبا شيئا آخر تماما، كانت تعاند موسكو رافعة شعار »فلتكن أكثر من فيتنام« فكاسترو كان يرى أن معركة فيتنام تهز أركان الامبريالية، ويريد أكثر من هزات أخرى، والسوفييت يرون أن التوازن الدولي لا يسمح، وأن نفقات حرب فيتنام فوق أن تحتملها معارك أخرى.

ارض كوبا من الطائرة تظهر كبساط احمر وكأنها كانت منذ الأزل تستعد لاستقبال فيديل وجيفارا. وفي المطار أزيح السوفييتي والبلغاري إلى أتوبيس متهالك، أما أنا فكان من نصيبي سيارة فارهة خاصة بوزير الزراعة. حاولت أن اصطحبهما معي ورفض السائق، والمترجمة قالت بأدب »السيارة لك وحدك«.

هافانا أجمل من أن توصف وشوارعها تمتلئ بشعار واحد يغطى كل الجدران »فلتكن أكثر من فيتنام« وفي فندق »هافانا ليبر« (هيلتون سابقا) والذي جعلوا منه أكثر جمالا وسخاء. طلبت من البروفسور كورونا أستاذ الحقوق الشهير ورئيس لجنة السلام الكوبية رقم السفارة المصرية، فلم يرد.

وعاد ومعه شاب هو راؤول كاسترو وكان المسؤول عن المؤتمر. قال سأعطيك الرقم لكنهم ممنوعون من الدخول إلى الفندق وقبل أن أثور قال »سفيركم غير مؤهل ودائم الهجوم علينا« المهم اتصلت تليفونيا وقال السفير »طبعا غضبت عندما قال كاسترو في خطابه في عيد الثورة الكوبي »إذا تصور الأعداء أننا سنهزم كمصر فهم واهمون« انسحبت بما أغضبهم.

وقال راؤول وأنا أعاتبه : لقد أحسسنا أن أميركا تتوحش أكثر وأعداؤنا يستعدون لهزيمتنا واعترف إنها عبارة غليظة. السفارة كانت غير قادرة على التلاؤم مع نظام لا يعرف التلاؤم.

وكان على أن انقل لسفير لا يعرف الفارق بين تلاوين الفكر الجيفاري على نطاق أميركا اللاتينية تلكأ المؤتمر طويلا، وتأجل مرات وفسر راؤول الأمر قائلا نحن في انتظار شخصية مهمة. ولكن جيفارا لم يتمكن من الحضور.

أخيرا انعقد المؤتمر دون حضور جيفارا. والحضور من الشباب يستقبلون بتصفيق مدوي بعد خطبة ليست قصيرة يقدم بها فيديل كل منهم والشباب يصرخون ليلهبوا الميكرفون بكلمات حارقة. لسنا من عواجيز المدن ونحن لا نأكل البفتيك في الأطباق الصيني، نحن نعيش في الجبال.

نحن نرفض الاحتكام العاقل للديمقراطية البرجوازية ونرفض اراجوزات الأحزاب العلنية. والتصفيق المجنون يلتهب وإلى جواري كان يجلس دوما عجوز يسكن المدينة ويرأس أهم حزب شيوعي علني في المنطقة هو الرفيق اريسمندي قائد الحزب الشيوعي في الاورجواي، وهمس في اذني قال هم يهاجمونني وأنا حزين لأنهم ثوريون أكثر مما يجب ويقودون أنفسهم إلى هاوية.

ثم قدمني فيديل مجاملا بحرارة وتحدث عن مصر وعن عبد الناصر زعيمها العظيم (كان راؤول قد ابلغه احتجاجي) وصفق وصفقوا طويلا. وجاءت لحظة الخطاب المنتظر لفيديل... استدعوا رؤساء الوفود ليقفوا خلفه على المنصة قلت لاريسمندي الذي لم يصفق له سواي أنا لن اصفق لكاسترو قال وأنا. وخلفه وقفنا ووقف كاسترو وسط عاصفة مجنونة من التصفيق لكن واحدا من القاعة صاح :

اريسمندي لا يصفق لكاسترو (أنا لا يهتم بي احد) التفت فيديل مبتسما وفك حزامه الذي يحمل مسدسين وألقاه ارضا وتحدث طويلا جدا وكان ذكيا وحانيا فقد وجه تحية لاريسمندي ولي وبعد الخطاب سلم على جميع الواقفين خلفه ثم احتضننا اريسمندي وأنا وهمس ما ترجمه اريسمندي سأتعشى معكما.

وفي العشاء قال الأولاد اخطؤوا في الهجوم عليكما وعلى مندوبي البلاد الاشتراكية. فقلت السوفييت يعطونك كل شيء قال مليون دولار كل يوم وهكذا كثير جدا ولكن لابد من فيتنام أخرى فقلت يكفي انك تهاجمهم وهم يواصلون... وفيما نغادر احتضنني وقبلني قائلا هذه لك وهذه لناصر. واحتضن اريسمندي وقال ضاحكا اعرف أن هذا الشرير حرضك ضدي وأشار إلي ولكنك أستاذ الجميع والأولاد في نهاية الأمر أبناؤك.

 

Email