أولويات القمة الخليجية المقبلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قليلاً ما عقدت قمة خليجية على مدار السنوات الست والثلاثين الماضية وسط أجواء سياسية طبيعية، فكثيراً ما كانت ملبدة بالغيوم الإقليمية والدولية نتيجة الحروب والأزمات التي فرضت تحديات أمنية جسيمة على دول مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه وفرضت كذلك حتمية البحث عن سياسات دائمة تحول دون انزلاق دوله نحو مواقف أشد خطورة أو غير مرغوب فيها.

وبرغم أن قمة المنامة المقبلة ليست استثناء من هذه القاعدة، إلا أنه ليست مبالغة وصفها بأنها واحدة من أخطر القمم في تاريخ مجلس التعاون الخليجي على الإطلاق نتيجة الظروف السياسية والأمنية الإقليمية المتفجرة والأوضاع الدولية المعقدة والمرتبكة الناجمة عن تعدد الجبهات المشتعلة التي ينبغي على المجلس أن يلعب فيها أدواراً مؤثرة، ليس بحكم الاختيار ولكن بحكم الضرورة وكذلك ليس كفرض كفاية وإنما كفرض عين.

فمنظومة الأمن القومي الخليجي باتت عرضة لأخطار جسيمة جراء أزمات العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان واللاجئين والإرهاب وأسعار النفط، كلها جبهات مفتوحة على مخاطر جسيمة وتستلزم أقصى درجات الحكمة في التعامل، وأضيف إليها أخيراً سيطرة الجمهوريين على المؤسسات السياسية الأميركية الكبرى وعلى رأسها الكونجرس بمجلسيه والبيت الأبيض، وليس خافياً أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يحمل أجندة تجاه المنطقة لا تبعث معظم عناصرها على الارتياح.

وأغلب الظن أن هذا التطور الأخير سيكون موضع اهتمام وتركيز كبير من القمة وقادتها وصولاً إلى تصور مشترك لمواجهة أية أفكار شاردة أو متطورة، وهناك بالتأكيد تصورات مشتركة سابقة الإعداد بحاجة إلى تبنيها بشكل رسمي فحسب، وأغلب الظن أيضا أن القضايا الأمنية ستكون بصدارة المناقشات الساخنة.

وبرغم أنه ليس من المعلوم ما إذا كانت الدعوة «المفترضة» لإبرام معاهدة «تحالف الخليج والبحر الأحمر» ستكون على أجندة المناقشات أم لا، إلا أنه في الغالب من المستبعد تبني مثل هذه الأفكار حتى وإن تطلب الأمر تنسيقاً مشتركاً لحماية الأمن الإقليمي، إلا أن التنسيق الأمني بين دول المجلس تحت مظلة قوات درع الجزيرة كفيل بتحقيق الأهداف المشتركة للأمن الخليجي وأثبت نجاحه في أكثر من مناسبة.

فدول المجلس مارست - ولا تزال - خلال السنوات القليلة الماضية أدواراً ميدانية مهمة في أكثر من نزاع خاصة بقيادة «التحالف العربي» في عمليات عسكرية ضخمة وحرب حقيقية باليمن، إضافة إلى مشاركة أخرى فاعلة في حرب «التحالف الدولي» على تنظيم «داعش» الإرهابي، ولاشك في أن هناك رؤى أمنية وسياسية معينة من جانب الأطراف المشاركة في كل هذه الصراعات ميدانياً فرضت تدخلها بمثل هذا الأسلوب.

وتفتح تلك الحقائق الباب واسعاً أمام حتمية العمل على تجديد دماء الفكر الإستراتيجي للمجلس وصولاً إلى رؤية إستراتيجية جديدة ومتكاملة تواكب الواقع المتغير والحقائق الإقليمية والدولية الجديدة.

وهناك أساس قوي لبناء مثل هذه الرؤية في ضوء تراكمات ناجمة عن العمل المشترك على مدار السنوات الماضية، ولعل على رأس تلك الرؤى الجديدة وضع أسس واضحة للتعامل مع قضايا الإقليم الحالية والطارئة وتحديد أسس قاطعة لآليات التدخل في الأزمات والصراعات، وأيضا آليات التعامل مع الكتل والتجمعات الدولية المختلفة، ولا يقل أهمية عن ذلك العمل على وضع حدود دقيقة للتعامل مع دول الجوار بما يحفظ حقوق الدول العربية عامة والخليجية على وجه الخصوص وفقاً لأسس ثابتة واستراتيجية معلنة.

وقد باتت تلك الحاجة ضرورة ملحة في ضوء حالة التردي العربي بشكل لم يسبق له مثيل وجعلت من الدول العربية أمة مستباحة، في حين صعدت أطراف إقليمية أكثر من اللازم وبشكل يتجاوز المقبول ويهدد المصالح العربية، والحديث هنا تحديداً عن إسرائيل وإيران، وقد تكون الأمور أكثر وضوحاً بالنسبة لإسرائيل.

حيث الرفض القاطع للممارسات الصهيونية والإصرار على الحقوق العربية والانسحاب من الأراضي المحتلة ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.

والقضية الشائكة المرتبطة بدولة الجوار الأكثر إثارة للجدل هي إيران، فعلى الرغم من توقيعها لاتفاق فيينا مع مجموعة القوى الكبرى في مجلس الأمن، والخاص بإنهاء أزمة ملفها النووي، فإن دول مجلس التعاون مازالت تسكنها بعض الهواجس بضرورة الالتزام بالاتفاق، والتشديد على أهمية دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الشأن، وضرورة تطبيق آلية فعالة للتحقق من تنفيذ الاتفاق والتفتيش والرقابة.

وإعادة فرض العقوبات على نحو سريع وفعال حال انتهاك إيران لالتزاماتها طبقاً للاتفاق، وربما كانت مواقف ترامب المعلنة تجاه هذا الاتفاق فرصة جيدة لتحقيق معادلة أمنية جديدة تحمي الأمن الخليجي وتحد من التدخلات والمخاطر الإيرانية.. كل هذه العوامل والتطورات تجعل لقمة المنامة أهمية خاصة ربما تكون مفصلية في العمل الخليجي المشترك ومستقبل المنطقة.

 

Email