أهكذا يكون الجوار؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل إرهاب داعش و«النصرة» دخل سوريا مسلحون لا يتحدثون اللغة العربية، بهدف حماية العتبات المقدسة لدى الطوائف الشيعية. كان ذلك عام 2008، ثم لحق بهؤلاء مجندون عرب من العراق يتبعون جيش المهدي الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر كما انضم إليهم عرب آخرون قدموا من لبنان ينتمون إلى حزب الله اللبناني.

وكان يتم ذلك تحت تكتم إعلامي داخلي وسكوت إقليمي ودولي ليكتشف العالم بعد ذلك أن الأمر لم يكن سياحة دينية أو حماية أضرحة إنما كانت تلك الأفواج البشرية تأتي إلى سوريا بأسلوب ممنهج واستراتيجية محكمه وتنسيق كبير تقوده إيران وتنفذه التنظيمات والجماعات والأحزاب الموالية لها شملت إلى جانب العرب إيرانيين وباكستانيين وأفغان. تأكد ذلك عندما شارك علانية جنود إيرانيون من أتباع اللواء أبو الفضل العباسي وميليشيات حزب الله في القتال الشرس الذي استهدف بلدة القصير على الحدود السورية اللبنانية عام 2013.

أما اليوم فيشارك في الحرب الدائرة داخل العراق وسوريا جنود الحرس الثوري الإيراني يقودهم قادة فيلق القدس التابع له -والذي يقاتل في كل مكان إلا القدس-إضافة إلى قادة وجنود حزب الله ولواء «الفاطميون» وجماعة «الزينبيون».

إن سرداً سريعاً لأحداث المنطقة تكشف مدى التدخل الإيراني في دول الجوار العربي. ففي عام 1971 احتلت إيران جزر الإمارات الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.

وعندما وصل الولي الفقيه إلى سدة الحكم حرصت الحكومة الايرانية أن يتضمن دستورها تصدير الثورة الإيرانية إلى خارج الحدود مع التركيز على تنظيمات تتخذ تعاليم «الولي الفقيه» شرعة ومنهاجاً. فكانت الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين بقيادة هادي المدرسي أولى محاولات «الولي» للتدخل ثم التغلغل في شأن مملكة البحرين.

وقد أنشأت الجبهة جناحها العسكري وتم تدريب جنوده في إيران ولبنان فقامت الجبهة بمحاولة انقلاب فاشلة عام 1981م ونظمت مظاهرات بين عامي 1994-1996م لزعزعة أمن واستقرار البحرين، كما أحرق أتباعها بعض المدارس، والفنادق، ومحطات الكهرباء، ومركز المعارض، وبعض البنوك بالإضافة إلى هجمات متكررة على رجال الشرطة ومخافرها.

في اليمن سعت إيران منذ عام 2004م لتكوين جماعة موالية لها، فبدأت باستقطاب طلاب يمنيين منحتهم بعثات دراسية في جامعات إيران والعراق ولبنان، حيث كان يتم توجيههم لتبني التوجهات الإيرانية وهكذا تكونت جماعة الحوثي موالية لإيران ثم ما لبثت أن تحولت إلى قوة عسكرية دخلت معظم المدن والقرى اليمنية وأزاحت الحكومة الشرعية لتتسلم هي مقاليد الحكم.

وعليه تأسس التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية قوة رادعة تسعى لإحقاق الحق ورفع الظلم والجور عن الشعب اليمني.

وفي المملكة العربية السعودية استغلت إيران مواسم الحج لإثارة الشغب وتوجيه مظاهرات أجّج فتيلها الحجاج الإيرانيون كان أشهرها عام 1987م والتي راح ضحيتها 400 شخص، إضافة إلى أعمال إرهابية في القطيف والهجوم على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.

شهد شهر أكتوبر الماضي مستجدات وأحداثاً تؤكد التوجهات الإيرانية في التدخل في دول الجوار فقد صرح اللواء حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني أن «حدودنا وصلت إلى البحر الأحمر والأبيض المتوسط».

كما اعتدت الميلشيات الحوثية خلال الشهر الماضي على سفينة مدنية إماراتية كانت مخصصة لنقل المساعدات الإنسانية وإخلاء الجرحى والمصابين من المدنيين لاستكمال علاجهم في الإمارات، كما أطلق الحوثيون صاروخاً بالستياً باتجاه مكة المكرمة في أكتوبر الماضي .

مما أثار استنكاراً اسلامياً كبيراً أدى إلى اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي في مكة يوم الخميس 17 نوفمبر الجاري، والذي قاطعته إيران مما أثار شكوكاً ضدها بين الحضور لاسيما أنها هي الممول الرئيسي للصواريخ الباليستية لجماعة الحوثي.

تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة وجهت في الثاني عشر من الشهر الجاري بالاشتراك مع عشر دول خطاباً إلى رئيس الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة عبرت بها عن القلق إزاء استمرار السياسات الإقليمية التوسعية التي تنتهجها إيران في المنطقة ومواصلتها بالقيام بدور سلبي لأجل التسبب في حالة الاحتقان وعدم الاستقرار في المنطقة من خلال دعمها العسكري والمادي للعدوان الحوثي في اليمن وتدخلها الدائم في الشؤون الداخلية للدول العربية فضلا عن استمرارها في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث.

يعكس هذا السرد السريع للأحداث والمستجدات طبيعة علاقة إيران بجيرانها في الوقت الراهن وحجم الإيذاء والإحراج الذي تواجهه دول الجوار من التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية وكأن لسان الحال ينطق: أهكذا يكون الجوار؟!

Email