سعادة مبكرة في غير موضعها

ت + ت - الحجم الطبيعي

ردود الفعل إزاء فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية جاءت على طرفي نقيض، البعض بالغ في إبداء مخاوفه وقلقه من الساكن المقبل للبيت الأبيض، وأطراف أخرى بالغت في إبداء سعادتها وابتهاجها بهذه النتيجة المفاجئة، وأغلب الظن أن الطرفين جانبهما الصواب في مثل هذه المواقف المتعجلة، ولو بدرجات متفاوتة.

وإن كان الحذر ضرورياً لمواجهة تحولات المستقبل، فالذين تحفظوا أو تذمروا أو أبدوا امتعاضهم وقلقهم لفوز ترامب ربما كان معهم بعض الحق سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها في ضوء الأجندة السياسية المتطرفة، التي تبناها المرشح الجمهوري خلال حملته الانتخابية.

وكشفت عن توجهات مخيفة خاصة في ما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين والمسلمين وابتزازه المشين لدول خليجية بآراء ومعلومات مغلوطة، تنقصها الدقة والمسؤولية معاً.

فالجموح الذي أبداه ترامب في حملاته وكلماته السابقة من الطبيعي أن يكون رد فعلها هو القلق والخوف، وربما كان ذلك هو الدافع لمطالبة الاتحاد الأوروبي بعقد قمة عاجلة مع الرئيس المقبل، أغلب الظن أنها ستكون لتحديد أسس العمل المشترك، ووضع النقاط فوق الحروف.

برغم ذلك- وكما سبقت الإشارة- هناك شيء من المبالغة في ردود فعل هذا المعسكر انطلاقاً من المثل العربي الشهير«حسابات الحقل غير حسابات البيدر»، أو كما هو شائع أن «لكل مقام مقال ولكل حادث حديث».

فإن ترامب الرئيس ليس بالضرورة هو نفسه ترامب المرشح للرئاسة، ولعل الحوارات والتحليلات، التي تحدثت عن الولايات المتحدة؛ القوى العظمى الأولى في العالم، ودولة المؤسسات والقانون والتوجهات الاستراتيجية الثابتة، والتي لا تتبدل كثيراً مع تغير ساكن البيت الأبيض، هذه الأحاديث شغلت مئات الصفحات من الصحف والمجلات ومئات الساعات من الفضاء الإلكتروني بشتى أشكاله.

وجميعها يروج حقيقة واحدة، أن مقعد الرئاسة له ضوابطه والتزاماته، التي قد تجعل الجانب الأعظم من أجندة وتوجهات ترامب المعلنة مجرد أساليب ووسائل لطرح سياسي مختلف على الصعيد الشعبوي، لتسهيل مهمة وصوله للمكتب البيضاوي.

وفي المعسكر الأخر، معسكر الابتهاج والسعادة بفوز ترامب، فقد يكون أيضاً معهم بعض الحق على أساس فتح صفحة جديدة في العلاقات مع واشنطن بعيداً عن التوتر والفتور وكذلك القلق، الذي ساد العلاقات المتبادلة في ظل الإدارة الديمقراطية، خلال السنوات الثماني الماضية بزعامة باراك أوباما وتبنيها سياسات لا ترضي أطراف هذا المعسكر.

وقد تكون هناك مؤشرات مبكرة صدرت عن ترامب نفسه خلال الحملة الانتخابية، وكانت مبعث ارتياح لهذه الأطراف. المؤكد أن السياسة الأميركية لن تتغير أو تتبدل بزوايا حادة بين عشية وضحاها أو بمجرد أداء ترامب لليمين الدستورية، فقد نكتشف مع مرور الوقت أن المكاسب المنتظرة من خروج الديمقراطيين ودخول الجمهوريين للبيت الأبيض ليست إلا سراباً أو أوهاماً.

يجب ألا ننسى أن العرب والمسلمين عموماً وعلى مدار الستين عاماً الماضية ذاقوا الأهوال على يد الإدارات الأميركية المتعاقبة من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، فهزيمة يونيو 1967 واحتلال الأراضي العربية في مصر والأردن وسوريا وقعت في عهد الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون وبدعم منه.

وقانون جاستا المهدد للدول الخليجية على وجه الخصوص صدر في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما وبتخاذل منه عام 2016، وبين التاريخين وقعت مآس كبرى للدول العربية في ظل الجمهوريين .

كذلك، فتدمير العراق واحتلاله توزع ما بين الرئيسين الجمهوريين جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، وأفكار الشرق الأوسط الكبير، والفوضى الخلاقة، والربيع العربي ولدت، واستمرت ما بين وزيرة الخارجية الجمهورية كوندوليزا رايس ووزيرة الخارجية الديمقراطية هيلاري كلينتون.

إن المفاضلة ما بين رئيس جمهوري وآخر ديمقراطي تذكرنا على الفور بالمقارنة التي طالما عقدت بين أيهما أفضل للعرب والفلسطينيين؛ الليكود الإسرائيلي أم حزب العمل، برغم أننا ذقنا الأمرين من حكومات الطرفين، وإذا كانت هناك مرارة أقل، فذلك بالتأكيد كان مجرد تغيير في الوسائل، وليس تبدلاً في الاستراتيجيات، فماذا نحن فاعلون مع الساكن المقبل للبيت الأبيض؟

لعل الإجابة المناسبة عن هذا السؤال أو التساؤل تكمن في سؤال آخر له الأهمية نفسها على قدم المساواة، وهو ماذا نحن فاعلون مع أنفسنا أولاً؟ وللإجابة أهميتها القصوى لأسباب عديدة، أبسطها أنها لن تجعل دول المنطقة مفعولاً به كما هي العادة إذا ما قررت أن تكون فاعلاً، تأخذ زمام المبادرة، وتعلي من شأن العمل المشترك.

 

Email