مصر تنطلق رغم الصعوبات

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين قطاع من المثقفين والإعلاميين والساسة المدنيين وجماعة الإخوان والإرهاب من ناحية أخرى تناقض وجودي معلن بالكلمة والسلاح.

في الأسبوع الماضي بدأت المحاولة لفهم منهج إدارة الدولة للبلاد وتم التوصل إلى ثلاث حقائق: الأولى أن هناك جهداً مكثفاً "لتحريك" الاقتصاد عبر مشروعات كبيرة للبنية الأساسية، كما تفعل الدول بعد حالات الركود أو الثورات أو الحروب.

والثانية أن المشروعات كلها تتجه نحو إعادة تربيط مصر بين النهر والبحر، والدلتا وسيناء، والصعيد والبحر الأحمر؛ وباختصار وصل المسافات في دولة مساحتها مليون كيلومتر مربع. والثالثة تصحيح الخلل الذي جرى في الصراع على روح مصر وعقلها بين البحر الأحمر والبحر الأبيض بحيث يعود البعد المتوسطي من خلال مشروع تنمية شرق البحر المتوسط نفطاً وغازاً وما هو أكثر.

الحقيقة الرابعة أن منهج إدارة السياسة الخارجية، والأمن القومي المصري، هو أن "الدولة" هي أساس الإقليم، كما هي أساس العالم، كما أنها أصل كل الأمور في مصر. ومن هذه الزاوية يكون النظر إلى الأزمات السورية والليبية واليمنية والعراقية والصومالية والسودانية، وغيرها من أزمات جرى نسيانها أو أنها في دور التكوين.

النظرة هكذا تستند إلى تاريخ طويل وعريق للدولة المصرية ذات السلطة المركزية سواء كانوا حكاماً مصريين أو أجانب، حيث حفظ كلاهما تكوين الدولة وحافظ عليها من الانفراط والتقسيم. كما تستند إلى تجربة معاصرة بدأت مع التسعينيات من القرن الماضي حينما بدأت الدول في الانهيار والتقسيم واحدة بعد الأخرى.

هنا فإن المنهج المصري ليس فقط الدفاع عن مصر، وإنما هو الدفاع عن الإقليم كله، ضد التقسيم ومن بعدها الحروب الأهلية بكل ما يصاحبها من تطرف وعنف. مصر الدولة هنا لا تسلم بأن المعركة انتهت، وأن الأقدار باتت حتمية، وأن القضاء نافذ، وبات مكتوباً على الإقليم العربي أن يتحول إلى طوائف، وسنة وشيعة، وعرب وأكراد.

المعركة على العكس لا تزال مستمرة، وبدايتها كانت الوقفة المصرية في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ومن بعدها فإن إعادة بناء الدولة في مصر هي قاعدة الانطلاق الأساسية. المهم في الأمر كله أنه خلال عملية إعادة البناء لا ينبغي التسليم أو القبول بمصير إقليمي قائم على التقسيم والتفتيت.

الحقيقة الخامسة أن الظروف التي عاشتها مصر خلال تاريخها المعاصر قد أضعفت الدولة فيها، سواء كان ذلك بسبب هزيمة يونيو ١٩٦٧، أو الجمود الذي اعترى المؤسسات، أو الضعف الاقتصادي المزمن الذي جعل المصريين يرحلون للعمل في الخارج، صارت مصر كما قيل "شبه دولة" لأن عمودها السكاني الفقري بات ضعيفاً، ومؤسساتها متهالكة، واقتصادها مختلاً.

وعندما جاءتها الثورات لم تبث فيها من الطاقات الإيجابية ما بثته من طاقات سلبية تعرف الكثير عما ترفضه، ولكنها لا تعرف إلا القليل عما تطالب به. المحصلة النهائية لكل ما سبق باتت الحاجة إلى الكثير من البناء من أول البنية الأساسية وحتى المؤسسات.

معركة الإرهاب، كما هو ثابت من كل التجارب العالمية ليست من تلك المعارك التي تحسم فيها الحروب في معركة واحدة، وإنما هي فوق كونها تنقسم إلى معارك كثيرة متفرقة، فإنها معركة على القلوب والعقول. وهي انتقالية لأن فارقاً زمنياً مفروضاً بين بناء قاعدة البنية الأساسية واستثمارها الاقتصادي بما يترتب عليه من عوائد بشرية ومادية.

هناك باختصار "عنق زجاجة" لا يمكن الهروب منه ولا تجاوزه، وهي مرحلة طبيعية عرفتها أمم كثيرة عندما كان عليها أن تخرج من حروب عالمية، أو حتى حروب باردة طالت لعقود، أو نتيجة ثورات أطاحت بعالم وظلت تحاول بناء عالم آخر جديد، وربما واعد. مصر هنا ليست استثناءً من طبيعة المرحلة.

هل تضع الحقائق أعلاه محاور لفهم ما يجري في مصر حاليا؟ والإجابة هي لا، ليس فقط لأن هناك حقائق أخرى، وإنما لأن هذه الحقائق تحتاج لوضوحها نظرة خارجية عليها تستخلص ما يشكل أرضية مشتركة مع قوى سياسية أخرى في البلاد، وما يجعلها في النهاية أكثر فعالية وقدرة.

Email