أفكار مطلوبة لتسوية الأزمة السورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو من التطورات الأمنية والسياسية الكبرى خلال الأيام القليلة الماضية في بلاد الرافدين والعواصم المرتبطة والمعنية بما يجري فيها من أحداث أن الاستقطاب الدولي والإقليمي قد بلغ أشده ووصل ذروته، لدرجة يمكن معها القول إن سوريا على وجه التحديد إذا كانت تشهد منذ أكثر من خمس سنوات عمليات تدمير منظمة بفعل مؤامرات وتدخلات خارجية وصراعات داخلية فإن المستقبل.

والقريب منه وليس البعيد، قد يشهد دماراً غير مسبوق، ربما يجعل كل ما تعرضت له سوريا في مراحل الصراع السابقة والجارية مجرد خدوش مقارنة بما هو متوقع حدوثه.

والمؤشرات الأولية لهذه التوقعات ربما انطلقت مع عملية تحرير الموصل حيث أصبحت سوريا هي الوجهة المقبلة والمحتملة بقوة لتنظيم داعش الإرهابي.

وهذا ليس مجرد تخمين ولكنها حقائق تجري على الأرض فضلا عن تصريحات المسؤولين الأميركيين والغربيين بأن معركة التحالف الكبرى المقبلة ستكون داخل سوريا وفي منطقة الرقة على وجه التحديد وهي التي انطلقت بالفعل بواسطة قوات سوريا الديمقراطية «المدعومة أميركياً، وقد تحدث في ذلك صراحة وزير الدفاع الأميركي أشتون ووزراء دفاع أوروبيون بتأكيدهم على عزل داعش في الرقة للتعامل معه عسكرياً.

وارتبط بذلك تصريحات لا تقل خطورة من الجانب التركي الذي أكد عزمه علي التدخل الصريح والمباشر في عمليات»مكافحة الإرهاب« في بلاد الرافدين والتأهب للوصول حتى منبج والرقة، وذلك بعد المعارك التي أطلقتها أنقرة شمال سوريا في أعقاب زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لتركيا قبل أشهر قليلة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وكذلك إصرارها على القيام بدور في عمليات تحرير الموصل، ويعكس ذلك حجم التكتل الدولي الإقليمي في مواجهة النظام السوري.

بينما على الجانب الأخر جاء الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا قبل أيام قليلة ليؤكد على التحذير الصريح من السماح لداعش بالمرور عبر الموصل إلى الرقة بما قد ينطوي على ذلك من مخاطر جسيمة، وهنا مكمن الخطورة الحقيقية حيث بات منحنى التصعيد هو الأكثر بروزاً في كل ما يجري.وأغلب الظن أن الأطراف الثلاثة ومعها أطراف أخرى مؤيدة لدمشق لن تتوانى عن الدفاع عن مواقفها ومواجهة كل هذه المخططات مهما كلفها الأمر.

هذه الأوضاع الميدانية الخطيرة والمحاور الدولية والإقليمية المتربصة والمتصلبة تعكس حالة مزمنة من غياب الإرادة السياسية الصريحة للعبور بالأزمة السورية إلى بر الأمان، وواصل كل طرف تمسكه بموقفه لتحقيق أكبر قدر من المكاسب ولو على حساب الأطفال والمدنيين والأبرياء، بل وتذهب بالصراع إلى مراحل أخطر بكثير مثلما سبقت الإشارة، لهذا يجب طرح خطوط عريضة لتسوية الأزمة بتجرد شديد وبعيدا عن أي هوى سياسي أوديني أومذهبي.

هذه المشاهد خبرناها وتابعناها في عديد من المناطق بقارات مختلفة، ما يدفعنا إلى المطالبة بحتمية العودة إلى المنطق والاستماع إلى صوت العقل، والأمر اليوم يتطلب سلسلة من الإجراءات العاجلة لوقف هذه المذابح المؤسفة من بينها:

أولاً: عودة جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية عدة خطوات إلى الخلف عن مواقفها المتصلبة الحالية.

ثانياً: الإعلان عن وقف شامل وتام لإطلاق النار والكف عن المعارك في عموم الأراضي السورية وعدم محاولة أي طرف تحقيق مكاسب على الأرض بخروقات لوقف إطلاق النار.

ثالثاً: استصدار قرار دولي من مجلس الأمن بتوافق الآراء وموافقة جميع الأطراف بتبني عملية سياسية شاملة يخوضها أطراف الأزمة السورية بشكل أساسي بما فيها المعارضة والنظام السوري وبالتأكيد مع استبعاد التنظيمات الإرهابية.

رابعاً: تحديد الخطوط العريضة للعملية السياسية المقررة من حيث وضع مسودة دستور شامل يبنى على أسس وطنية بعيدا عن المحاصصة الطائفية أو المذهبية.

خامساً: طرح جداول زمنية واضحة المعالم لصياغة كشوف الناخبين وتحديد مواعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد فترة انتقالية محددة يتمكن خلالها الشعب السوري من تحديد مصيره بنفسه بعيدا عن أي تدخلات خارجية وبإشراف قوي للأمم المتحدة.

هذه بكل تأكيد رؤية مثالية قد تكون حالمة، وربما هي بالفعل أفكار تدور في رؤوس الكثيرين أو وردت في برامج سياسية مطروحة، ولكن التاريخ يعلمنا أن المئات من الصراعات الدامية توقفت عند مثل هذه المقترحات وأنها كانت في الأساس رؤى حالمة سرعان ما تحولت إلى واقع ملموس، فإذا ما أردنا سلاماً حقيقياً في سوريا ولأمتنا العربية فعلى مختلف الأطراف أن تخلص النوايا وتتخلى عن مصالحها الضيقة لإفساح المجال أمام سلام حقيقي بعيداً عن الأحاديث المذهبية.

 

Email