ضحايا الأعراف الدبلوماسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحكومة التونسية طردت وزير الشؤون الدينية لأنه هاجم السعودية دينياً، وقبلها بأيام قليلة، بسبب حفل في تونس، قدم وزير سعودي يشغل الأمين العام استقالته من منصبه في منظمة التعاون الإسلامي، بعد أن أطلق نكتة ضد الرئيس المصري. الوزيران آخر ضحايا العلاقات الحساسة جداً بين الحكومات العربية، التي لا تحتمل من يخرج على النص سواء من قبل المزاح البريء أو التعليق الشخصي.

الوزير التونسي عبدالجليل بن سالم لم يمض عليه في منصب وزير الشؤون الدينية سوى ثلاثة أشهر، وهذا لا يعني أنه ناقص الخبرة من تجربته الميدانية والجامعية. وجاء هجومه على السعودية في وقت تواجه فيه حرباً مع الإيرانيين وحلفائهم، فكرية وسياسية.

الأمر نفسه مع الوزير السعودي إياد مدني، صاحب خبرة طويلة في العمل الحكومي وخبير بقواعد العلاقات بين الدول، ويدير منظمة مهمة هي «التعاون الإسلامي»، وأطلق مزاحه في حفل مصور أمام عدد من المسؤولين. وجاءت في وقت يعلم الجميع أن الحكومة المصرية تواجه حرباً دعائية مستعرة من قبل خصمها تنظيم الإخوان المسلمين، الذي وظفها سريعاً لصالحه، ونشرها في كل مكان.

وتزامنت زلة اللسان في وقت كانت السعودية تجمع التأييد لشجب المتمردين الحوثيين في اليمن على عمليات قصفهم منطقة مكة المكرمة بالصواريخ، وكانت تحتاج إلى تفهم كل الدول الأعضاء في المنظمة، ليطلق الأمين العام مزحة هددت بإفساد العلاقات والموقف السياسي التضامني المطلوب.

ويؤخذ على الوزير التونسي أن تعليقه لم يكن مزاحاً، بل كان يعبر بوضوح عن موقف فكري عدائي، ولأنه يشغل مسؤول الشؤون الدينية لم يدع ذلك مجالاً للاعتقاد بأنها زلة لسان. وله تصريحات مكررة عن صعود حزبه الإسلامي على حساب البقية، مما يعزز الاعتقاد بأنه، مثل الآخرين المؤدلجين، منخرط في الصراعات الفكرية السياسية التي تحرض ضد بعضها البعض في تونس وخارجها.

الوزير عنده رأي وموقف علني ضد السعودية، الذي كان على الحكومة التونسية أن تحسم أمرها حياله في علاقاتها الدبلوماسية، بعد أن خرق الوزير أبسط قواعدها، ولهذا أعلنت على لسان أحد مسؤوليها أن ما قاله الوزير «هفوة كبيرة، وهو وحده يتحمل مسؤوليتها».

لماذا هذا الانفلات في التعاطي عند أهل الخبرة والمحنكين، والتجاوز على الأصول الدبلوماسية؟ ربما يكمن السبب في وفرة وسهولة التخاطب عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، التي لم تعد تفرز وتراقب، كما كان يحدث في الماضي.

إلا أن معظم المشاكل التي سببت، أو كادت تسبب، أزمات هي تصريحات واضحة ومباشرة، ولم تكن عبارات هامسة، أو نميمة، أو بسبب أخطاء تقنية مثل نسيان ميكروفون مفتوح، أو تسجيل غير ملحوظ. كل ما قيل وظهر سمع على ألسنة أصحابها بشكل مباشر وعلني، الذي يُبين أن إغواء الكلام أقوى من حكمة الصمت، والتربية الدبلوماسية.

Email