القراءة حق يصونه تشريع

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تكون القراءة حقاً يحفظه، ويدفع به، ويصونه تشريع، فتلك رؤية غير مسبوقة تحول الأماني والتطلعات إلى واقع مؤسس، وقوانين تحكم، وهنا يصبح لا خيار، وهل للشعوب التي تتطلع إلى مزيد من الرقي، وترنو إلى الرقم واحد خيار في أن تسلك دروب العلم والمجد.

وللناظرين فإن مسارات التنمية والرقي، التي ارتادتها الإمارات، وجعلت من الاستثمار في الإنسان هو الأساس، وأنه مهما علا البنيان، وشيدت المصانع والقلاع دون وجود وعاء حافظ له ومقدر لقيمته، فإن عواقب ذلك ستكون لا شك غير طيبة، من هنا كانت البداية بالإنسان.

وهل كان اتحاد الإمارات وقصة بنائها إلا بالإنسان، أين هي الموارد التي كانت تمتلكها الإمارات في تلك العقود غير الإنسان، الذي صمم، ومن معه على أن يغير هذه المنطقة إلى واحة ينظر إليها القاصي والداني بكل التقدير والاحترام، وباتت نموذجاً لقدرة الإنسان على التحدي والبناء، وما زالت مع كل إشراقة شمس تسطر نجاحات في لوحة الشرف والكرامة والفخر في داخل البلاد وخارجها.

ولأن الإمارات تعرف طريقها، وتدرك سبل الوصول إلى أهدافها، وتقدر للعلم مكانة، ولأصحابه قيمة، وتستوعب تاريخ الأمم، وهي تتطلع إلى المستقبل، وتتيقن بسنن الله في كونه، لذا كان العلم هو الطريق، وجعلت من القراءة تحدياً لها ولأمتها العربية، ولأن التحديات لا تقابل بالأمنيات، ولكن تَأخذ الدنيا غلاباً، فكان أن تحول تحدي القراء إلى تشريع يجعل منها حقاً، كما الحق في الحياة.

وكما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن القراءة والمعرفة طريقنا الأقصر لاستئناف الحضارة في المنطقة، وأن حفظ لساننا العربي، وثقافتنا الإسلامية، وهويتنا التاريخية الأصيلة يبدأ من القراءة.

والحق أن المقولة العبقرية لسموه «استئناف الحضارة» توضح أن أمتنا صاحبة حضارة كبيرة، ومجد تليد، وأن مسيرتنا مسيرة استئناف، وليست بدء، وأننا قادرون على ذلك إذا ما تسلحنا بالأدوات، التي أهلتنا يوماً لأن نقود رحلة التنوير البشري، وأنه لا طريق سوى العودة لها، حين كان يُكافَأ من يؤلف كتاباً بوزن ما أنتجه ذهباً، وأن قدر الناس بمقدار ما يملكون في عقولهم من علم وحكمة لا تتوقف عندهم، ولكن تفيض إلى من حولهم، فينتفعون بها، ويعم النور.

من هنا كان إصدار أول قانون من نوعه للقراءة علامة فارقة يضع سياجاً تشريعياً، ويحدد آليات التنفيذ والمهام الموكلة للمعنيين، لجعل القراءة جزءاً مهم من العمل الحكومي يجب التأكد من نجاعة البرامج المحددة لها، عبر مراحل محددة، وهو إطار لا مثيل له في منطقتنا.

وبهذا القانون لم تعد القراءة ترفاً أو جهداً فردياً بل حالة مجتمعية، تعمل كل المؤسسات بالدولة على أن تكون أساساً لسياساتها، وهو ما يخرجها من إطار الفعل، الذي يثني على من قام به، ولا يحاسب من أهمله، إلى مهمة رسمية لكل حلقات العمل المؤسسي بالدولة، بدءاً من الروضة وليس انتهاء بتوفير مقاهي المراكز التجارية مواد للقراءة لمرتاديها وتكريس المطالعة مظهراً ثابتاً، ولما لا ومحطات وعربات القطار في الغرب لا تخلو من قارئ لكتاب أو مناقش لمحتواه.

وفي تقديري أن القراءة سوف تخرج لنا المواطن المتعلم المثقف والفرق بينهما واضح، كما أنها بمثابة مران يومي للذهن، وبها تتبلور الأفكار وتزداد المدارك وتتسع الآفاق.

والحق أن الذهاب إلى مدى أبعد يجعل للموظف حقاً في القراءة التخصصية، ضمن ساعات العمل الرسمية، الأمر الذي يعني أن تحصيل المعرفة هو الطريق للارتقاء بالأداء والخروج به عن دائرة النمطية والرتابة، التي تقتل أية إبداع.

إن تربية جيل قارئ يعني جيلاً لا يكتفي بما يتلقاه في المدارس والجامعات من مواد وبرامج دراسية، لكنه يتطلع إلى أبعد من ذلك حين تكون القراءة هي الإطار الأكبر لما يتلقاه من تعليم، ومن ثم تتحول العملية التعليمية من التلقين إلى البحث عن المعلومة عبر القراءة، ويقيناً معلومة تبحث عنها، وتجتهد في ذلك هي بالتأكيد ستظل عالقة وراسخة في الذهن ومساعدة في التكوين الفكري للفرد.

وستدخل الفرد عوالم أوسع وأرحب، آية ذلك أنه لما سأل واحد من كبار أدباء عصره عن سبب ولعه بالقراءة، أجاب، لأن الحياة أقصر من رغبة الفرد في المعرفة، ومن ثم كانت القراءة الطريق إلى جعل الحياة حيوات بمطالعة تجارب الآخرين ومشاركتهم المعرفة.

إن هذا القانون، وكما أوضح سموه، يعد أول تشريع من نوعه يلزم الحكومة بالتدخل مبكراً لترسيخ القراءة من المهد إلى اللحد، فأكرم به من تدخل. إن قيادة تجعل للقراءة قانوناً هي قيادة أمينة على مواطنيها، وحريصة على نهضة وطنها.

Email