التجربة النيابية في الكويت بين النجاح والإخفاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

حركة التمثيل الشعبي في الكويت قديمة، وترجع إلى الثلاثينيات من القرن المنصرم، حيث شهدت الكويت انتخابات المجالس الأهلية كالمجلس البلدي على سبيل المثال.

وذلك لأن المجتمع الكويتي كان على صلة أكثر تقارباً من غيرها من إمارات الخليج الأخرى بالعراق، التي كانت تسودها التجمعات المدنية، وتدار بواسطة مجالس بعضها منتخبة انتخاباً عاماً من الناس وبعضها معينة كونها مجالس أهلية وبلدية في القرى والأرياف.

ومن هنا كانت التركيبة المجتمعية في الكويت أكثر انفتاحاً وأكثر تطوراً من المنطقة الخليجية أو الجزيرة العربية بصفة عامة في النواحي الاجتماعية والتعليمية والسياسية، كما كان الكويتيون أهل أسفار وأهل سفن تجوب الخليج والبحار المجاورة، ومن الذين احتكوا بالسواحل الهندية والأفريقية، واستطاعوا أن يجعلوا لوجودهم شأناً في هذه البقعة الصغيرة من الخليج والجزيرة العربية.

وجاء انتهاء الوجود العسكري البريطاني وإقامة الدولة الكويتية عام 1961م، ليضيف بعداً وأهمية إلى الكويت، لا سيما عندما قرر الكويتيون بالتوافق والمباركة من شيوخ الكويت وحكامها، وعلى رأس هؤلاء الشيوخ المتنور والمصلح عبدالله سالم الصباح، رحمه الله، على أن تدار الدولة بشكل ديمقراطي يكون فيه مجلس نيابي منتخب معاوناً في سير الأمور وإدارتها.

وتحولت بذلك الكويت إلى بقعة خضراء في التقدم السياسي وسط أراض شبه قاحلة، وهلل دعاة الإصلاح وخاصة في العالم العربي بخطوة الكويت في الوقت الذي كادت العسكرتارية والدكتاتورية تعم البلاد العربية هنا وهناك وخاصة الدولة المجاورة للكويت، وهي العراق التي شهدت على التوالي أسوأ ما في النظام العسكري الدكتاتوري من مساوئ بعد الانقلاب على النظام الملكي.

وبالرغم مما شاهدته الكويت من تطور في نظامها الإداري والمالي والاجتماعي بسبب مساهمات مجلس الأمة وكثير من أعضائه في دعم الإصلاح الذي يرجع فضله الأساسي للسياسة المرنة والحكيمة التي اتبعتها حكومة الكويت منذ عهد الشيخ عبد الله السالم كما قلنا وحتى اليوم، لكن مجلس الأمة أخفق في المعادلة.

وتسبب في كثير من المواقف في عرقلة التقدم التنموي والعمراني لا سيما تقدم المرأة الكويتية ومشاركتها السياسية بسبب العقلية العشائرية والقبلية والتزمتية الدينية، التي تبناها عدد ممن توالوا على مجلس الأمة. كذلك فإن أعضاء من مجلس الأمة عملوا على التمسك بالتشدد الشوفيني والقومي.

وخلقوا في المجتمع نزاعات عنصرية وطائفية بغيضة، وساند بعضهم بشكل تهوري نظام صدام حسين الرجعي والدكتاتوري، وأعطوا لهذا الدكتاتور انطباعاً أن الكويتيين معه قلباً وقالباً أثناء حربه مع إيران، ويريدونه أن يعتبر الكويت جزءاً من العراق، ويأتي إليهم ليحكمها، الشيء الذي شجع صدام حسين على خطوته التهورية الغاشمة في الاعتداء على الكويت واحتلالها.

ومن الإخفاقات الأخرى التي رافقت سير المجلس النيابي، مجلس الأمة، هو الانطباع غير الحسن الذي أعطاه الكثير من أعضاء مجلس الأمة من الراديكاليين والمتشددين من أصحاب الأيديولوجيات المختلفة، لغيرهم في المجتمعات الخليجية ،ما تسبب هذا الانطباع غير الحسن في خفوت أصوات الإصلاح السياسي في بقية المجتمعات الخليجية.

وإعطاء الفئة المحافظة في الخليج حجة أن الممارسات للعمل البرلماني في الكويت ليست بذات فائدة، وأن الضرر أكبر من النفع، ولهذا تأخرت توسعة قاعدة الديمقراطية في المجتمعات الخليجية، ومشت خطوات التمثيل النيابي خطوات وئيدة وحذرة، خوفاً من وقوع ما لا يحمد عقباه.

ولا بد من الإشارة إلى أنه طالما أن الكويتيين هم الرواد في العمل الديمقراطي في الخليج، وأنهم سوف يخوضون معتركاً جديداً في اختيار مجلسهم القادم، فإن عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار أنهم جزء لا يتجزأ من منظومة عربية خليجية، وأن أي نجاح أو إخفاق سوف تنعكس نتائجها على المنظومة بأكملها، سلباً أو إيجاباً، وعليهم التركيز على الإيجابيات، وينأون بمجلسهم عن السلبيات الناجمة عن التشدد الديني والفئوية القبلية والطائفية.

 

Email