مسرعات حكومية لآفاق عالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«لن ننتظر ولن نتساهل مع المعذرين، نريد نتائج سريعة يلمسها الناس»، بهذه الكلمات التي وجه بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

والتي تحمل في طياتها ملامح خطة وآليات عمل الأجندة الوطنية التي أطلقها سموه في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، والتي أكد من خلالها النهج الذي خطه للعمل الحكومي منذ تولي سموه لمقاليده، وثوابته التي أكدها دائماً، وهي «أن المستقبل للمبادرين والجريئين الذين يوظفون الإمكانات ويستثمرون بالإنسان، ليحققوا الإنجازات ويصنعوا الفرق ويتصدروا الركب العالمي، في رحلة تشكيل مستقبل مستدام غني بالفرص للأجيال القادمة».

وفي تقديري أن ما أكد عليه سموه يمثل خارطة طريق للنجاح والتميز والإبداع ليس في العمل الحكومي فقط ولكن لرحلة الإنسان على الأرض أياً كان مكانه ومهما كان ما يقوم به من عمل، إنها وصفة للخلاص من أغلال التردد والخوف، كما أنها ضربات قوية تقرع جرس الإنذار لغدٍ ليس فيه مكان لمن ينظرون دائماً حتى يروا غيرهم، فإذا ما أصابوا نجاحاً انتظروا أيضاً ليقدروا حجم النجاح.

فإذا ما عرفوا ذلك انتظروا كذلك ليروا هل من أخطار بعد النجاح، ثم يبدأون في السير، هنا يكون ركب الظفر قد مضى وانتقل إلى مربعات أخرى من التفوق والإبداع، مخلفاً المترددين بداعي الدراسة والتأني بعد أن ارتضوا لأنفسهم مكاناً لا يقبل به إلا ضعاف الهمم، هؤلاء هم المعذرون الذي تحدث عنهم سموه.

مؤكداً أهمية تحقيق نتائج سريعة، وهو ما يعني أن وتيرة العمل والحركة لابد أن تكون كذلك سريعة ومتناغمة ومتكاملة، لأن الحركة العشوائية الفردية والعمل بأسلوب الجزر المنعزلة قد يظهر لغير المدققين أن هناك حركة لكنها في الحقيقة غير منتجة، ثم الإشارة إلى أن تكون النتائج يلمسها الناس، هو التأكيد على الهدف الأخير الذي تعمل في إطاره حكومتنا الرشيدة وهو الناس.

فهي من الناس تتكون وبالناس تطرح الأفكار وتعمل، وإلى الناس تسعى لتحقيق النتائج التي تحقق الغاية الكبرى؛ وهي تجويد الحياة، وهو المصطلح الأكاديمي الذي نحتت له قيادتنا تعبيراً أدق وأوضح وهو إسعاد الناس، فلا قيمة لنتائج لا تعود على الناس بفائدة.

ولا قيمة لتقديم شيء لم يقابل حاجة في نفوس الناس، تلك هي التوليفة العبقرية التي استطاعت الحكومة الرشيدة أن تجعلها منهاج عمل، فكانت دائماً في قلب الناس، تعرف حاجاتهم وتلبي طموحاتهم لتجعل من الإمارات الرقم واحد في كل الميادين وعلى الصعد كافة.

مؤكدة أن هذا لن يكون إلا بالاستثمار في الإنسان، باعتباره ثروة الوطن الحقيقية، بل هو منبع الثروات حيث تشح، وهو مبتكر البديل حين يعز، غير أن هذه الحركة الدائبة والمتسارعة لم تكن حركة آنية تنظر إلى تحقيق إنجازات ينعم بها الجيل الحالي فحسب، لكنها حركة أخلاقية، عين لها على الحاضر وأخرى على المستقبل لحفظ حقوق الأجيال القادمة، لذا كانت الاستدامة طبعاً مميزاً وحافظاً لها.

ولا شك أن إنشاء مسرعات حكومية باعتبارها التجربة الأولى عالمياً، وهي معتمدة في القطاع الخاص، يؤكد ثوابت عدة، منها أن العمل الحكومي مهما كان حجمه وثقله وضخامة الجهاز المحرك له إلا أنه قادر على التكيف مع الآليات المساعدة على تطويره والارتقاء بما يقوم به، كذلك هي شكل مهم من الشراكة التي تقود القطاعين الحكومي والخاص إلى مراتب عليا.

كما أن المسرعات في حد ذاتها من أدوات أصحاب الهمم العالية، الذين يرون أن التميز الحقيقي لا أن تضع أفكاراً عظيمة، ولكن أن تنفذها على درجة عالية من الإتقان، وفي وقت قياسي باستخدام الآليات المعينة على ذلك كافة، إن الوتيرة المتسارعة للعالم من حولنا، في الوقت الذي نريد فيه أن نكون الأول، هو ما تدفعنا دائماً أن نكون سابقين بخطوة بل خطوات.

إن المسرعات الحكومية آليات تحقيق فكر حكومي يأتي في السياق ذاته الذي بدأ بالحكومة الإلكترونية ومروراً بالحكومة الذكية وليس انتهاءً بالمسرعات الحكومية.

ولا شك أن اشتمال مجالات المسرعات الحكومية على كل من المؤشرات الوطنية والسياسات والبرامج والمبادرات والخدمات لتحقيق الأجندة الوطنية عبر تضافر الجهود بين الجهات المحلية والاتحادية، يؤكد أنها إطار وطني جامع، تؤمن بالعمل الجماعي وروح الفريق التي تساعد على تلاقح الأفكار وتكاملها، لجعل طموحات أبناء الوطن واقعاً ملموساً.

إنها حالة من الاستنفار تطلقها قيادتنا الرشيدة، تعلن عن مرحلة جديدة من البناء والتنمية، تؤمن بأهمية الدفع المستمر لطاقة جديدة وقودها عزم الرجال وهدفها الدفع الدائم لخطط التنمية لتحقيق الغاية الكبرى في أن يتحول الحلم إلى واقع.

* مدير جامعة عجمان بالإنابة

 

Email