العولمة الثقافية في زمن تشبيك العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي أطلق مارشال مكلوهان مقولة «القرية العالمية» التي أصبحت في القرن الحادي والعشرين أكثر صلاحية من أي وقت مضى، حيث تم تشبيك العالم عبر شبكة الإنترنت والفضائيات، وقد وفرت لنا المواقع الإلكترونية ومصادر المعلومات المفتوحة وشبكات التواصل الاجتماعي إمكانيات التواصل والانفتاح على المعارف وثقافات شعوب العالم ومما جعل قوة الاتصال الدولي لا مجال لإنكارها التي تتمثل في المجالات التالية:

Ⅶزيادة فرص التفاعل الإنساني والاتصال العلمي، أمام النخب العالمية الثقافية والعلمية والتكنوقراط. مما يقود إلى مزيد من الحوارات والاعتمادية المتبادلة في الحصول على المعلومات وتوفيرها لهذه النخب. وسيؤدي ذلك في المجالات العلمية والتكنولوجيا إلى زيادة قاعدة المتخصصين وتطوير كفاءاتهم على امتداد العالم.

Ⅶوتوفر شبكات الإنترنت والمحطات الفضائية الدولية قاعدة تفاعل سياسي دولي يؤثر عملياً في خلق نخبة سياسية عالمية قادرة على التفاعل فيما بينها بشأن المشكلات الدولية والقضايا الاقتصادية العالمية. ويمكن أن يكون لهذه النخبة دور كبير في التأثير على مجتمعاتها والإسهام في تكوين الرأي العام. في القضايا الدولية ذات الطبيعة الإنسانية، مثل قضايا الإرهاب العالمي وتغير المناخ والطاقة البديلة وقضايا البيئة، والحريات والديمقراطية.

Ⅶومع تطور تكنولوجيا الاتصال وتوفرها لمليارات البشر، ومع التدفق غير المسبوق للمعلومات من حيث النوعية والكمية، ومع توافر برامج الترجمة الآلية الإلكترونية التي توفرها مواقع الإنترنت صار بإمكان الإنسان العادي أن يتواصل إقليميا ودوليا والتعرف على أنماط ثقافات جديدة ومناقشة الأفكار بدون حواجز، مما يقود إلى تزايد عملية التماثل والتجانس في نمط للحياة عالمي الطابع، وبات هذا واضحاً في أشكال الطعام والملبس والموسيقى والرياضة.

Ⅶوفي مواجهة تحديات العولمة الثقافية وحيث تكون العلوم الإنسانية والاجتماعية مجالاً لإثارة القضايا الفكرية الجدلية والتعبير عن الثقافات الوطنية فإنها تقود النخب الثقافية إلى تكريس خنادقها الثقافية والدفاع عنها. فإنهم يعتبرون العولمة تهديداً للهوية الوطنية والاستقلال الاقتصادي. وتمثل تحدياً لسيادة الحكومات وشرعيتها.

Ⅶوتتميز العولمة الثقافية بتصدير الولايات المتحدة ثقافتها الشعبية كمصدر هائل للترفيه، لا سيما الألعاب الرياضية والأفلام والموسيقى. حيث يتم على نطاق واسع توزيع هذا النموذج الجاهز للثقافة وبأسعار زهيدة للترفيه في جميع أنحاء العالم. فالعديد من الدول الآن تعاني من الصراع بين ثقافتين: ثقافة الشعوب الأصلية والثقافة الشعبية الأميركية والغربية المعولمة.

وتشكل الموسيقى مثالاً واضحاً للتمازج الثقافي اليوم حيث أصبحت الإيقاعات والألحان والأدوات الموسيقية تتفاعل وتنتقل عناصرها إلى موسيقات شعوب العالم، واستطاعت موسيقى الروك اختراق الثقافات وأدّت إلى خلط موسيقي هجين من ثقافات مختلفة ودخلت موسيقى الراي والراب إلى السوق العالمي، والموسيقى الإفريقية واللاتينية إلى ذائقة الناس حيثما كانوا.

وهكذا مَكَّنتْ مبتكرات تكنولوجيا الاتصال شعوب العالم من التواصل باختراق المسافات والحدود وباختزال الزمن والتبادل بين ثقافات العالم. وأصبح مضمون وسائل الإعلام الثقافي والعلمي والفني متاحاً لجميع البشر، وكلما زاد التواصل بين الشعوب زاد التأثير المتبادل بين بعضها والبعض الآخر، ومع ذلك يزداد الإحساس بخطر الذوبان الثقافي وتزداد رغبتنا بالتمسك بالقيم التقليدية وفي المحافظة على التراث والاحتفاظ بالهوية المحلية.

وفي الوقت الذي باتت فيه أشكال التحديات الثقافية والاجتماعية واضحة فإن الخشية من التجانس في أسلوب الحياة العالمي يقود إلى فقدان الثقافة طابعها المحلي مما يفرض علينا العمل على الاحتفاظ بهويتنا القومية.

Email