«مثلث رعب» يطارد الشعب الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل أصبح الأميركيون أمام حقائق مرة جعلتهم أسرى مثلث الرعب الذي حددوا أضلاعه بأنفسهم؟ هل وصلوا إلى نتائج حاسمة بأن الكثير من أعراض الشيخوخة والوهن قد ضربت نظامهم السياسي وجعلته يفتقد إلى القدرة على الإبتكار والتجديد ما جعل حملة الإنتخابات الجارية مهزلة كبرى بشهادة القاصي والداني داخل الأراضي الأميركية وخارجها ؟

من المعروف أنها مرة واحدة كل أربع سنوات تتوحد فيها الولايات الأميركية في مشهد مثير لاهتمام العالم بأكمله حيث يتم اختيار رئيس أقوى دولة عظمى على وجه الأرض، ويبدو أن الاهتمام العالمي هذه المرة أكبر بكثير من المرات السابقة لعديد من العوامل والظروف الطارئة والمستجدة وكذلك لوجود توقعات في مناطق عديدة بحدوث تحولات جوهرية مع إعلان اسم المرشح الفائز برئاسة الولايات المتحدة، فسواء كان هذا الشخص هو الجمهوري ترامب أو الديمقراطية كلينتون، فهناك ترجيحات بحدوث تحولات بدرجات متفاوتة للتعامل مع قضايا العالم خاصة على ضوء الإنتقادات العنيفة التي تعرضت لها السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما، وقضايا الشرق الأوسط ليست استثناء من ذلك.

ليس هذا فحسب، ولكن هناك شواهد عديدة تؤكد أن ما شهدته الحملات الإنتخابية للمرشحين قد أثارت الغثيان داخل الولايات المتحدة وخارجها لطبيعة الإتهامات المتبادلة بينهما والهبوط بمستوى الحوار إلى أدنى مستوى وهيمنة القضايا والإتهامات الشخصية على القضايا الكبرى التي يمكن أن تشغل بال مئات الملايين في ظل ظروف خطيرة جدا تجتاح العالم وكذلك المجتمع الأميركي الذي بات منقسماً نتيجة تدهور الأوضاع الاجتماعية على صعد متعددة أبسطها المشاهد العنصرية المتتالية والعنف المسلح الذي ضرب الولايات في أكثر من مناسبة.

ولذلك لم يكن مستغرباً أن يظهر استطلاع للرأي أن الناخبين الأميركيين الذين بدأوا التصويت بالفعل أوائل الشهر الجاري وصولا إلى الثلاثاء العظيم في الأسبوع الأول من الشهر المقبل قد أصبحوا بالفعل في حالة اكتئاب إلى درجة أن 64 في المئة منهم يعتقدون أن البلاد تسير في طريق خاطيء، ويشمل هذا الرقم 87 في المئة من الجمهوريين و44 في المئة من الديمقراطيين، بينما قال الناخبون أن أول كلمة تخطر على بالهم عندما يفكرون في مستقبل بلادهم هي«الإحباط» ويتلوها«الخوف» ثم«الغضب» لتصبح أكثر الكلمات شيوعاً في المجتمع الأميركي ولتمثل كذلك أضلاع مثلث الرعب الذي يطارد الأميركيين !

فبين ترامب ومنافسته كلينتون تضيق المسافات في استطلاعات الرأي نتيجة حيرة المواطن الأميركي الذي يبدو أنه قد وجد نفسه مطالبا بالإختيار بين السيء والأسوأ، ترامب يغير رأيه حول قضية ما في اليوم الواحد ربما ثلاث مرات، وبعد كل انتقاد أو موجة غضب يبدأ في إعادة ترتيب كلماته وتغيير مواقفه للهروب من سهام النقد حتى ولو أضطر للإعتذار مراراً وتكراراً عن كثير من مواقفه.

وبعد حوالي عام من الحملات الانتخابية، ومئات من المقابلات الإعلامية، والمؤتمرات الصحفية، يظل من الصعب تحديد برنامج واضح للمرشح الجمهوري بسبب الخطاب غير المترابط والآراء المتغيرة باستمرار، فقد قدم ثلاثة آراء مختلفة في ثماني ساعات عن الإجهاض،وهي قضية حساسة في بلاده, ويرفض تقديم إجابات حاسمة وواضحة، ويصر على أن عدم القدرة على التنبؤ بمواقفه تعتبر ميزة سوف يستغلها في الحصول على صفقات أفضل، وسلط ذلك الضوء على المفارقة التي لازمت حملته الانتخابية، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين يتوقون للتغيير وأن غالبيتهم يعتقدون أن البلاد تسير في الطريق الخطأ، غير أن رعونة شخصية ترامب ونزوعه للمشاكسة وإثارة النزاعات أضعف رسالته في بعض الأحيان وهو ما تجلى أيضا في مناظرته مع كلينتون التي أوقعته في شر أعماله على ما يبدو.

يحدث هذا في حين تقف الولايات المتحدة مجددا على حافة صراعات أهلية ومواجهات عنصرية، وهي «حرب» بدأت تطل برأسها في اكثر من ولاية وفي ظل تصاعد لحالة الاستياء في أوساط الأميركيين من اصل أفريقي نتيجة أعمال التمييز التي يتعرضون لها على ايدي رجال الأمن بسبب لونهم بالدرجة الأولى.

هذه العنصرية طرحت نفسها على الحملات الانتخابية، فمثلا ترامب اكتسح كل منافسيه في المراحل الأولى لحملته الإنتخابية لتركيزه على التعصب العنصري للبيض ومطالبته ببناء سور على طول الحدود الاميركية مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين وتحميله الحكومة المكسيكية جميع نفقاته، وترحيل جميع المهاجرين غير الشرعيين دون رحمة، وهناك مطالبات ترامب الاخرى بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة كزوار أو مهاجرين، موحياً بأنهم إرهابيون.

ولم تذهب كلينتون بعيدا عن مثل هذه الممارسات في حملتها الإنتخابية وإن أدارتها بشكل أكثر ذكاء وأكثر حنكة، ولكن هذا لم يكن كافياً لمنع إصابة الأميركيين بصدمات كبرى وبقناعة تامة بأن نظامهم السياسي بات بالفعل في أمس الحاجة للتجديد للعودة لقضاياه الحيوية بدلا من سياسات الضرب تحت الحزام.

Email