صاروخ سكود قرب مكة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تبعد هذه المدينة الجبلية عن مدينة مكة المكرمة سوى سبعين كيلو متراً فقط، والصاروخ الذي استهدفها قبل يومين يشكل تطوراً جديداً وخطراً في حرب اليمن، ويؤكد أن الصراع في اليمن إقليمي، ويؤكد حجة السعودية بأن الحرب موجهة ضدها منذ البداية.

صاروخ سكود أطلقه المتمردون الحوثيون الموالون لإيران، والأرجح بالتعاون مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي كان يملك ترسانة من هذا السلاح الروسي.

مهم معرفة ظروف بدايات الحرب عندما وجهت انتقادات إلى تدخل السعودية، والتحالف الخليجي العربي في الحرب الأهلية اليمنية. بعضها كان يشير، عن حق، إلى أن السيطرة على الحرب في هذه الدولة القبلية الجبلية المتناحرة القبائل، والقوى المختلفة، مهمة صعبة، وأن على الجانب السعودي تجاهلها، بعد أن حاولت لأربع سنوات تسويق حل سلمي نجح في البداية، ثم سقط بعد أن قام الحوثيون، الذين لا يشكلون أكثر من 15 في المئة من سكان اليمن، بنقض الاتفاق، واحتلوا العاصمة صنعاء بالقوة، وقرروا فرض حكومة من اختيارهم.

وربما، حتى هذه الإشكالية، أي استيلاء الحوثي على الحكم، يرى البعض أنه كان يمكن للسعودية احتواءها، أو تجاهلها، وإغلاق الحدود، وترك اليمنيين لقدرهم لولا أن الحوثيين عملياً استولوا على كامل اليمن بالقوة. في ذلك اليوم أصبح لإيران دولة جنوب السعودية لأول مرة في النزاع الإقليمي، في الوقت نفسه الذي تسعى إيران إلى السيطرة على العراق شمال السعودية، وكذلك سوريا، عدا عن محاولاتها إثارة القلاقل في البحرين، والمنطقة الشرقية بالسعودية. ليس صعباً فهم المشروع الإيراني الذي يحيط بالسعودية من ثلاث جهات.

اليمن، بوصول الحوثيين إلى الحكم بالقوة، أصبح قاعدة عسكرية للإيرانيين، وأصبح الحوثيون، مثل حزب الله اللبناني ميلشيا خاصة للنظام في طهران. وحتى هذا التحليل الجيوسياسي لا يكفي لدفع الجارة السعودية، وحلفائها، لخوض الحرب هناك لولا أن الانقلابيين ورثوا قدرات عسكرية قادرة على تهديد قلب السعودية، مثل ترسانة صواريخ سكود. وفي مطلع العام الماضي كتبت مقالاً عن أن خطر الحوثيين لا يقتصر على مدن الحدود الجنوبية السعودية، بل قد يصل خطرهم إلى مدن رئيسة بعيدة مثل جدة، فمنظومة «سكود دي» الروسية، مداها أكثر من 800 كيلو متر، قصفها سلاح الجو السعودي في بداية الحرب لكن يعتقد أن جزءاً منها مُخزّن في مخابئ سرية.

هذا الأسبوع طار صاروخ «سكود دي» نحو 700 كيلو متر وسقط في الطائف، منطقة مكة المكرمة، ولم تعترضه القوة الدفاعية السعودية لأن إحداثيات الصاروخ تشير إلى أن هدفه لا يشكل خطراً. هذا التطور، الذي يحدث لأول مرة، يؤكد أن حرب اليمن ليست مشكلة يمنية داخلية، كما يكتب عنها كثيرون، بل إن اليمن هي قاعدة عسكرية إيرانية موجهة ضد المملكة العربية السعودية، هذا أمر واقع، وليس مجرد صراع بين فرقاء يمنيين.

إيران، عندما خلقت حزب الله في جنوب لبنان، لم يكن هدفها أبداً، كما كان يردد كثيرون، دعم مقاومة لبنانية همها تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي. الحزب كان فرقة عسكرية إيرانية متقدمة استخدمها نظام طهران في المساومات التفاوضية مع الغرب، وتهديد دول المنطقة. وحزب الله يخوض اليوم القتال بالنيابة عن الإيرانيين في سوريا والعراق، وسبق له أن تولى تدريب الحوثيين اليمنيين، وأطلق عليهم اسماً مشابهاً لاسمه، «أنصار الله»، ودربهم على ترديد شعاراته الفارغة من اليمن، «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل».

اليمن مشكلة إيرانية منذ بداية الأزمة، وهي التي دفعت لتخريب المصالحة والحل السياسي، فالسعودية مع مبعوث الأمم المتحدة، والدول الغربية، كانت قد وافقت على مفهومين لحل الأزمة اليمنية، الأول القبول بدخول الحوثيين في العمل السياسي، والثاني تأييد الحل الديمقراطي، وترك الشعب اليمني يكتب دستوره، ويختار من يحكمه، لكن إيران دفعت الحوثيين لتغيير المعادلة، بالاستيلاء على مدينة عمران، ثم صنعاء، والمطالبة بحصة كبيرة في الحكم، بغض النظر عن نتائج أي انتخابات مقبلة.

صاروخ سكود، الذي أسقط بالقرب من مكة يقوي موقف السعودية السياسي، بأن ايران تخطط منذ زمن لخلق كيان مسلح شمال اليمن، حتى تهدد به السعودية، ضمن الصراع الإقليمي الدائر، وأنها اختارت الحوثي لهذه الوظيفة، وأن الحل مهما كان الحل للنزاع هناك، سياسياً أو عسكرياً، لا يمكن أن يفصل نزاع اليمن عن صراع المنطقة، ولا يمكن للمنطقة تجاهل أسباب حرب اليمن.

Email