سلوكيات سلبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تأثرت كثيراً بمقالة عوض بن حاسوم الدرمكي المعنونة بـ «مؤسسات الرَّبعْ» المنشورة في جريدتنا "البيان" بتاريخ 5 من سبتمبر الجاري، ومع إنني متفق تماماً مع كل ما جاء بها إلا أنني أحببت أن أتحدث عن النقاط نفسها التي أثارها الأخ العزيز عوض بن حاسوم وأزيد عليها وأعلق على بعضها.

اليوم أصبح عالم المؤسسات جزءاً عضوياً من المجتمع وهمومه ومثار أحاديثه، وحتى المنازل صارت ساحات للحوارات عنه، وبلغةٍ أدق حوارات بين الأزواج، لأن توجد فيه من التصرفات السيئة التي قد تصبح من أحاديث الموظفين الشيقة بين سخريةٍ واستهجانٍ وتهكمٍ واستغراب، وهي نتاج سلوكي معين واضح يتسم بالظهور والوضوح بين أصحاب الشلّة الواحدة والمصلحة الواحدة.

فهذه البطانة و«الشللية» تولّد أسوأ السلوكيات وأكثرها ظهوراً ما يُعرف بالمحاباة، وهي أن يكون لجناب المدير مجموعة من الأصدقاء والمقربين لأنهم أكثر الناس قدرة على أداء الأعمال في نظره، ورأيهم هو المقدّم على جميع الآراء الأخرى، حتى لو خالفت العلم والقانون والعقل والمنطق، ومقترحاتهم هي المقبولة حتى لو كانت سطحية، ولا تقوم على مقارنات موثوق بها.

هذه المحاباة أشبه بالعنصرية ولكنها من نوع آخر، وهو العنصرية الإدارية، وتمثل صنفاً جديداً من السلوكيات في محيط العمل التي تفْتِكْ بمنظومة العمل ومن فيه من الموظفين وفق تصنيف طبقي رهيب، هذا حزب المدير، وهذا من شلّة المدير الفلاني.... إلخ.

وما لم تكن من شلّة المدير العام وإلا فلن تفلح مهما امتلكت من ابتكارات وإبداعات وجدارات وقدرات، وما يزيد الأمر صعوبة أن المبدع والمتميز لا يرضى بحالٍ من الأحوال أن يجعل التملّق «وضرب الجوق» أسلوباً للتميز أو الارتقاء الوظيفي، أو الحصول على رضا سعادته.

لذلك تُرسخ فئة الفاشلين أنيابها في جسد المنظمة المنهك، وحرصاً منها على البقاء في مقدمة أولويات المدير تقوم بتهميش الموهوبين ومحاربتهم بضراوة، وملئ شواغر المؤسسة بأمثالهم من أنصاف المديرين والموظفين والذين لا يُشكلون تهديداً على وجودهم أو مناصبهم، ولكن تحتفظ بولائها المطلق لهذه الشلّة.

إن الإتيان بالأصدقاء الموظفين «الشلة» دليل واضح على ضعف ذلك المدير، ومن على شاكلته وعدم إحساسه بالأمان ورغبته في إحاطة نفسه ببطانه من الفاشلين أصحاب المصالح لدعم قراراته الهشة حتى لا ينكشف أمام الموظفين.

والأدهى أن جميع الموظفين أو أغلبهم يعرفون من هو، لأن حواراته وأسلوبه معهم تبين أشياء غريبة مثل الجهل المركب في الأمور الإدارية، وإطلاق الوعود الكاذبة والتلوّن بأكثر من وجه ونقل الأخبار، ويزيد الأمر سوءاً مع وجود الشلة الفاشلة التي تمارس الاستشارة وتدعي القيادة الإدارية وهي إلى الغباء الإداري أقرب.

فالصور الجدارية واللوحات المطرز عليها الاستراتيجيات لا تفيد هنا شيئاً لأن الحقيقة الماثلة أمام المجتمع الوظيفي وهو فشل في فشل، والسلة تلتقط مكاسب لأهل الشلّة، ونعني بها جميع المزايا الوظيفية من بدلات وعلاوات تعتمد لهذه الشلّة..!

لتظهر الحقيقة السوداء لتتكلم وتقول للموظف بمرارة إن الأولوية - هنا للأسف - ليست للكفاءة والمؤهلات العالية أو الخبرات الطويلة، وإنما الأولوية لأهل الشلة سواء أكانت قيادات أو موظفين، فهم يحصلون على الترقيات والعلاوات والمكانة والفرص لأن المدير تحت إشارتهم لأنه يحب أن يسمع أخبار الموظفين ومغامراتهم.

وأصحاب الشلّة هم مركز الأخبار والأنباء وكتيبة المراسلين، وأمام هذه المواقف المُحبطة التي تعجز إدارة التغيير بكل وسائلها وأدواتها وخبراتها من تغيير المواقف إلى مواقف تحسين وتطوير للمؤسسة، فنرى بعض الموظفين الأكفاء يستقيلون هرباً من هذا الواقع حتى لو كان الراتب أقل، وأما نوع آخر من الموظفين المجتهدين فيحاولون ويحاولون انتظاراً للفرج، والنوع الثالث فتأتيه الأمراض، والنوع الرابع فيلتزم الصمت إلى حد صمت المقابر.

والعودة إلى صُلب الموضوع: تظل الشلّة ممسكة بالسلّة اللاقطة لا تترك مكسباً في المؤسسة إلا حصلت عليه سواءً كان ترقية أو علاوة.... إلخ، والحكايات معها لا تنتهي أبداً لأن لكل شلّة أبطالها ومواقفها وقصصها...!

Email