العرب في ذكرى نكبة كامب ديفيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأن كل شيء في عالمنا العربي ينسى بعد حين، لم ينتبه أحد في الأسبوع الماضي، إلى مرور 39 عاماً على توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، التي وُقعت في 18 سبتمبر 1978 في احتفال تاريخي، عقد في حديقة البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن، وحضره الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن.. اللذان وقعا عليها، بصفتهما ممثلين للدولتين المتعاقدتين.. كما وقع عليها - بعدهما - الرئيس الأميركي جيمى كارتر بصفته شاهداً وراعياً وضامناً.

هناك مبررات كثيرة وراء نسيان العرب ذكرى اتفاقيتي كامب ديفيد، لعل من أهمها أنهما لم تعودا قائمتين من الناحية العملية، إذ كانتا مجرد «إطار للسلام» يجري تطبيقه عبر معاهدات سلام ثنائية بين إسرائيل وبين كل طرف من الأطراف العربية التي احتلت إسرائيل بعض أراضيها في عدوان 1967، وهو ما حدث جزئياً إذ وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وتوقفت المفاوضات حول الشق الفلسطيني من هذا الإطار، بسبب رفض منظمة التحرير الفلسطينية له، إلى أن فاجأت المنظمة كل الأطراف العربية والدولية، بتوقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1993، بعد مفاوضات سرية بين الطرفين جرت في أوسلو، وفشلت محاولة التفاوض بين سوريا وإسرائيل، كما فشلت محاولة أخرى - بعد حرب الخليج الثانية - لإجراء المفاوضات على مستويين أحدهما إقليمي يشمل الدول العربية كلها، والآخر ثنائي يجمع بينها وبين الدول التي لا تزال تحتل أراضيها.. إلى أن استقرت الأمور عند شاطئ المبادرة العربية للسلام، التي أقرها الملوك والرؤساء العرب جميعاً في قمة بيروت العربية عام 2003 وهى تقوم على مبادلة الأرض العربية المحتلة عام 1967، والدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، بالسلام والاعتراف والتطبيع بين كل الدول العربية وإسرائيل، وهى مبادرة رفضها الإسرائيليون.

كان قرار الرئيس السادات المفاجئ بالسفر إلى القدس المحتلة هو الخطوة الأولى التي انتهت به إلى «كامب ديفيد» وكان وراء القرار - كما يجمع كل الشهود - تظاهرات الطعام في 18 و19 يناير 1977 التي خرج خلالها المصريون يهتفون بسقوط نظامه ويحطمون صوره، بعد أقل من أربع سنوات من انتصاره في حرب أكتوبر، ليكتشف بمرارة أن هذا النصر لم يوفر الطعام لشعبه، الذي لم يحصل على الحد الأدنى من احتياجاته، في الوقت الذي أسفرت الحرب عن رفع سعر برميل البترول من 6 إلى 30 دولاراً، وأنه لم يقطف أية ثمرة سياسية من ثمار النصر بسبب إصرار إسرائيل على أن تتفاوض مباشرة وعلى حدة، مع كل دولة عربية احتلت أراضيها عام 1967، وإصرار العرب على أن تكون المفاوضات غير مباشرة، وأن تجرى في إطار الأمم المتحدة، وهو أمر بدا له مستحيلاً في ظل التوازنات الدولية، التي كانت قائمة آنذاك، ولخشيته من أن تتآكل ثمار النصر، وأن تستغل إسرائيل لعبة المفاوضات لتغيير التركيبة السكانية للأرض المحتلة بإنشاء المستوطنات، بدأ في أعقاب تظاهرات يناير 1977، الاتصالات السرية التي انتهت بزيارته القدس، دون أن يخطر أحداً من شركائه في الحرب - خاصة سوريا - أو يضع في اعتباره رد فعل الأنظمة العربية، أو الشعوب، خاصة الفلسطينيين أصحاب القضية الأصلية.

وكان ذلك هو الخطأ الكبير الأول الذي وقع فيه السادات، وكان الخطأ الكبير الثاني الذي وقع فيه، أنه لم يطلب خلال الاتصالات السرية التي أجراها مع الإسرائيليين، ثمناً مسبقاً لزيارته للقدس المحتلة، وهو ما دفعهم للإعلان أثناء الزيارة وبعدها أنهم لم يتعهدوا بشيء مقابلها، وأن كل شيء قابل للتفاوض.

أما الخطأ الأكبر الذي وقع فيه العرب، فهو أن إجراءات الإعداد للزيارة ما كادت تبدأ، حتى فتحوا النيران بشكل عشوائي ومن كل اتجاه على السادات، وتتالت الخطوات التي اتخذوها ضده، ومنها قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وطردها من الجامعة العربية، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، وتوزيع المنظمات المتخصصة التابعة لها بين عواصم عربية عدة، وعقد قمم عربية محدودة وعامة، اتخذت قراراً بإفشال أية تسوية تسفر عنها المبادرة.

ومع أن السادات استقبل العاصفة في البداية بهدوء، وأعلن أنه لا يسعى إلى صلح منفرد مع إسرائيل، لكن إلى سلام شامل معها، يشمل حق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم، وأن ما يقوم به هو اجتهاد يتحمل مسؤوليته، وأنه إذا فشل فسوف يستقيل من منصبه ويعتزل السياسة، إلا أن المحاولات العربية لإفشال مسعاه تواصلت، فبدأ يرد عليها بلهجة خشنة وبإجراءات عصبية.

واستغل الإسرائيليون حالة التشرذم التي أصابت العالم العربي، وأضعفت من قدرة السادات التفاوضية، طوال الشهور العشرة التي فصلت بين الزيارة وبين سفره إلى كامب ديفيد وأدركوا أنه وصل من الناحية السيكولوجية إلى حالة أصبح فيها جاهزاً لكى يقبل بأي حل، وبأدنى المكاسب، حتى لا يشمت فيه خصومه من العرب.

وبعد 39 عاماً من توقيع اتفاقية كامب ديفيد.. يثور السؤال: من الذي يتحمل مسؤولية ما جرى بعد ذلك؟

والإجابة هي: نعم إن السادات مسؤول ، ولكن العرب مسؤولون معه وقبله عن نكبة كامب ديفيد.

Email