الكفاءة الأخلاقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتسابق الجهات الحكومية والخاصة على عمليات التعيين والتوظيف عموماً والاستقطاب خصوصاً لاختيار أفضل الكفاءات من الموارد البشرية في جميع المجالات والتخصصات الوظيفية والإدارية والفنية لأننا في زمن المتغيرات والمستجدات الإدارية والمؤسسية التي لا تترك للعقل راحة للتفكير والتدبر أو الانتظار، ويمكن تعريف الأخلاقيات بأنها عبارة عن مجموعة القيم والأعراف والتقاليد التي يتفق أو يتعارف عليها أفراد المجتمع. والقيم هي تلك القواعد والمعايير التي تمكن الفرد من التمييز بين الصح والخطأ وبين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.

ومن ذلك نخلص إلى أن الفعل الأخلاقي عبارة عن سلوك نابع من صميم الإنسان وذاته وبالتالي فهو مظهر من مظاهر ما يكمن في وجود الإنسان، ويحكى عن حس باطني. وإذا كان الأصل أن القاعدة الأخلاقية وما تقتضيه من سلوك مقبول من المجتمع، إلا أن مجال إثارة الجانب الأخلاقي للوظيفة العامة إنما يتناسب مع ما انعقد للموظف من مسؤوليات إدارية أوجدها القانون المنظم للوظيفة العامة من حيث الواجبات والمسؤوليات.

إن مجرد إسناد الوظيفة إلى الفرد إنما يفرض من جانبه الالتزام بسلوك مسلك يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العامة باعتباره مسؤولاً، لأن ذلك في آخر الأمر تتحقق معه أهداف الإدارة التي يعمل بها.

وأمام متطلبات الحكومة الاستراتيجية دخلت الجهات الحكومية دائرة التنافس في اقتناص الكفاءات من خلال تقديم المغريات والمزايا الوظيفية للمتقدمين للوظائف من أجل استقطابهم لها، والمتفحص لأغلب معايير التعيين الحالية نرى أن أغلب المعايير تدور في فلك الكفاءة العلمية والمهنية من حيث المؤهلات العلمية والخبرات والمعارف والسيرة الذاتية التي تحمل كماً كبيراً من الإنجازات.

بعض الجهات لا تعي أهمية الكفاءة الأخلاقية في بيئة العمل لأن هذا الموظف سوف ينضم إلى مجموعة أخرى من الموظفين لهم ثقافتهم وجوهم النفسيّ العام، والأمر يكون أكبر أهمية وأكثر صعوبة وحساسية إذا كان هذا الموظف (المرشح) قيادياً، أي يكون مسؤولاً عن موظفين يكونون تحت سلطته، وهنا تبدأ الحكاية وأصلها وفرعها لأن هذا القيادي يجب أن يكون جديراً بهذه الوظيفة أخلاقياً قبل أن يكون جديراً بها علمياً أو إدارياً لأن الموظف أو القيادي الذي يتّصف بصفات مثل النرجسية والشك والعاطفية والشخصية المتذمرة والعشق للشللية المؤسسية يُسبب للعمل مخاطر كبيرة وخسائر كبيرة تُهدد سمعة العمل وتجعل بيئة العمل طاردة للكفاءات من الموارد، ولا تُساعد الجهة على إدخال السعادة في نفوس موظفيها.

وتبدأ فصول التذمر والتشكي والتشفّي والصراعات والنزاعات بين جموع الموظفين لأن هذا القيادي يُدير المؤسسة ويمس إنجازاتها، لذا كان حرياً بهذه الجهات عند استقطاب الموارد البشرية الجديدة إعداد معايير وضوابط لاختيار الموظفين الجدد، وتحدد المعايير الأخلاقية لها ضمن الإطار العام للكفاءة الأخلاقية حتى لو تطلب الأمر إجراء تقييم سري لسؤال الناس القريبين منه، مثل أصدقائه وزملائه، لأن المصلحة هنا عليا وعامة وليست خاصة وشخصية.

هذه الجهات عندما تضع قيماً في استراتيجيتها مثل: الصدق والعدل والأمانة والمساواة والحوكمة والإنصاف فهي ملزمة أدبياً أمام الجمهور والموظفين بتنفيذها على أرض الواقع، وهذا لا يعتبر ترفاً إدارياً بل مطلباً استراتيجياً واجب التنفيذ.

ولا يقوم بالتنفيذ والتطبيق هنا إلا الكفؤ سلوكياً وأخلاقياً، فهل من المتوقع من الموظف السوداوي أو القيادي المغرور النرجسي أن يستطيع إسعاد موظفيه رغم أنه شحيح في عاطفته الإنسانية.

سلوكيات القائد الفعّال هي رمز لمدى كفاءته وقدرته على القيادة ومن ركائزها المظهر والطباع والخبرة، فنجد أن مظهر القائد واعتناءه بمظهره وملبسه يعطي انطباعاً عاماً عن شخصيته والتزامه، كذلك الأمر بالنسبة لخبراته ومؤهلاته الشخصية والعلمية والعملية.

هل يمكنه أن يتعامل بإنسانيةٍ مع موظفيه أو أن يتلمّس مشكلاتهم وهمومهم أو أن يراعي حالاتهم الإنسانية وظروفهم الاجتماعية... وهذا يعود بنا إلى الكفاءة الأخلاقية التي يجب أن توضّح شرطاً مهماً وفاصلاً وفارقاً من شروط التعيين، ولولاها لا يُوظف هذا المرشح للوظيفة، لأن المؤسسات أهم منه ومن مغامراته ومن سلوكياته المضطربة.

Email