قانون رعاة الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرض الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن لانتقادات حادة من جانب أطراف عديدة داخل المجتمع الأميركي وخارجه عندما قال في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 إنه يريد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن «حياً أو ميتاً»وسبب الإنتقاد أن الجملة التي استخدمها بوش في حديثه عن زعيم القاعدة هي اللغة ذاتها التي كان يستخدمها «رعاة البقر الأميركيون»وتعبر عن منطق القوة الفوضوي الذي يسود علاقات البشر.

والمثير في الأمر أن الذكرى الخامسة عشرة لهذه الهجمات وتلك التصريحات جاءت متزامنة هذه الأيام مع تطورين على قدر كبير من الأهمية والخطورة؛الأول يتمثل في الموافقة الأميركية على تقديم مساعدات عسكرية للكيان الصهيوني بقيمة تقدر بحوالي أربعين مليار دولار خلال عشر سنوات اعتباراً من عام 2017 بعد نهاية الإتفاق الساري حاليا والمستمر منذ عام 2007 بدعم إسرائيل بمساعدات عسكرية قيمتها تتجاوز الثلاثين مليار دولار, وخطورة هذا التطور تكمن في الوصول بالتفوق العسكري الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة وزيادة سباق التسلح بمنطقة الشرق الأوسط بما يستنزف قدرات وامكانات وموارد دول وشعوب المنطقة ويحرق فرص التنمية الإقتصادية والبشرية في ربوعها.

ويعكس هذا التطور بشكل أو بآخر حجم التداعيات التي نجم معظمها عن هجمات سبتمبر وتم استغلالها من جانب القوى اليمينية المتطرفة في الإدارة الأميركية,خاصة خلال فترتي حكم الرئيس السابق جورج بوش الابن لتعظيم الاستفادة بتبعاتها في تمرير السياسات الأميركية المتطرفة على صعيد الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل خاص,وهو ما يدعو إلى التساؤل مجدداً؛هل أحسنت الولايات المتحدة استيعاب درس هجمات سبتمبر بكل بشاعتها وهمجيتها وسوءاتها منذ حدوثها وحتى تاريخنا هذا؟

إجابة هذا السؤال لن تشوبها أي مبالغة إذا ما تم التأكيد على أن الولايات المتحدة بمختلف مؤسساتها لم تستوعب المعنى الحقيقي لهجمات سبتمبر«الإرهابية»وخلفياته, وبالتالي فإنها لم تحسن التفكير والتدبير وأغلب الظن أنها سارت في الاتجاه المعاكس للطريق الذي كان ينبغي عليها أن تسلكه إذا ما كانت تريد إصلاحاً حقيقياً لعلاقاتها مع الدول الشرق أوسطية والمجتمعات الإسلامية.

وليس أدل على ذلك من إصرار مجلس النواب على تمرير القانون المثير للجدل ويتيح لعائلات ضحايا الهجمات ملاحقة المملكة العربية السعودية في محاكم أميركية طلباً لتعويضات طائلة، وهو التطور الثاني الذي تزامن مع ذكرى هجمات سبتمبر وتم تمريره من الكونجرس - حيث صوت عليه مجلس الشيوخ في مايو الماضي وأثار ضجة كبرى وقتها - ليصل إلى مكتب الرئيس أوباما تزامناً مع الذكرى الـ 15 للهجمات تحت مسمى قانون «العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب».

برغم أنه قد أعلن من داخل البيت الأبيض أن الرئيس أوباما سيستخدم حقه بإسقاط القانون الذي يقول معارضوه إنه يقوض السيادة الدولية ويضر بعلاقات أميركا مع السعودية,إلا أن هذه الخطوات تعكس الكثير مما يدور في كواليس ودهاليز المؤسسات السياسية الأميركية – ومن بينها الكونجرس - حول التعامل مع أحداث وتداعيات سبتمبر بانتهازية شديدة ومحاولة إيجاد سبل مختلفة لتحميل أطراف خارجية مسؤولية ما حدث ولو بالتضليل,كما حدث بالضبط في حالة الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وتدميره حتى يومنا هذا.

والآن وفي الذكرى الـ 15 لأحداث سبتمبر يحاول مسؤولون أميركيون تضليل الشعب الأميركي بالقول أن هناك مسؤولين سعوديين على صلة بالأحداث, رغم تأكيدات عديدة بأن المباحث الفيدرالية وكذلك وكالة الاستخبارات الأميركية واللجنة التي تم تشكيلها حول أحداث سبتمبر أجرت تحقيقات على أعلى مستوى واستنتجت أنه لا يوجد ما يدين الحكومة السعودية وكذلك المسؤولين السعوديين في 11 سبتمبر, ولكن تظل هناك خطورة بعدما أشارت الأنباء إلى أن هيلاري كلينتون، المرشحة الأوفر حظاً عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية تؤيد الخطوة مما يعني أن المشروع قد يتحول إلى قرار بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة !؟

وما يستوجب الإشارة والذكر هنا هو هذا النهج الخاطئ الذي تصر الإدارة الأميركية على السير فيه ضمن خطط ما بعد أحداث سبتمبر, ولا شك في أن السعودية لديها الكثير من الأوراق التي تستطيع استخدامها في مواجهة هذه الحملة المضللة.

Email