الموضوعية ووسائل الإعلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعيش اليوم في عالم اتصالي بلا حدود، ولكنه عالم لا يخلو من القيود، وإذا كان الإنسان قد خلق حراً، فإنه إنسان ظل في إطار حريته يبحث عن الحقيقة، ويبحث عن المطلق.

هل في الإمكان الإجابة عن الأسئلة إذا لم نكن نعرف الحقيقة كاملة، وهل بإمكاننا أن نجيب عن الأسئلة إذا كانت الظروف تحول دون ذلك، وهل يمكننا أن نبصر الأشياء ونصفها إذا كنا ضعيفي البصر؟.

هذه الأسئلة وغيرها، يمكن أن تثار، لنصل إلى جوهر الموضوعية التي يُحاول الإعلامي بها أن يوصل الحقيقة إلى جمهوره، ونظرة فاحصة إلى واقع الإعلام في دول مجلس التعاون، يمكن أن نلاحظ مدى ثراء هذه الوسائل وتنوعها، ويمكن أيضاً أن نلاحظ ظروف العمل فيها، وطبيعة العاملين فيها القادمين من أقطار مختلفة وثقافات مختلفة ورؤى مختلفة.

يمكننا كذلك أن نلاحظ الظروف العربية والإقليمية والدولية التي تعمل فيها هذه الوسائل، وما أنتجه فعاليات الربيع العربي (المصطلح الذي أطلقه الغرب)، ونرى ماذا جرى بسببه من ثورات وحراكات واقتتالات تشكل جميعها بيئة للإعلام الخليجي ومادة ثرية لها، وكذلك علينا أن نلاحظ ما وفرته تكنولوجيا الاتصال من قدرات المؤسسات الإعلامية على التواصل مع الجماهير من ناحية، ومن الإمكانات التي وفرتها هذه التكنولوجيا للجماهير للإنسان العادي للوصول إلى منافذ المعلومات غير المحدودة. من مصادر مختلفة، بل وأحياناً متناقضة، في سعيه للوصول إلى الحقيقة.

ومع التكنولوجيا الاتصال، أصبحت فرص التعبير للأفراد العاديين متاحة، حيث مجال الاتصال التفاعلي صار واقعاً، وحيث توفر الإنترنت اليوم مجالات عديدة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل الفيس بوك والانستجرام والواتس أب وغيرها، تظهر اليوم صحافة المواطن، ومعها يستطيع توصيل رأيه، ومع الإنترنت يستطيع الإبحار إلى مصادر المعلومات من مصادر عدة وبلغات مختلفة. ولكن مع ذلك كله، تظل هذه المعلومات في مدى موضوعيتها وصدقيتها.

وترتكز وسائل الإعلام على مبدأ أنها تقوم بنقل الحقيقة، وذلك بتقديمها صورة صادقة لما يجري في عالمنا، وبذا، يكون هناك تلازم بين الحقيقة (الصدق) والواقع، ولا يخفى عليها أن مصطلح الموضوعية هو مصطلح تم استعارته من العلم. هذا الواقع الجديد، يجعلنا نتساءل إذن، هل باتت الموضوعية اليوم هي أقرب مما كانت عليه بالأمس؟، ذلك أن التساؤل يظل قائماً، هل هناك حقيقة مطلقة، وهل الموضوعية كقيمة مطلقة ممكنة؟.

بالنسبة للإعلامي، تفسير الحقيقة لأي نص، يتم عبر اختبار مدى تماسكه وتوافقه في سياق محدد، وهناك حقائق متعددة محتملة، تبعاً للسياقات المختلفة، وهنا، تصبح الموضوعية هي العنصر اللازم للنص لمعرفة الحقيقة.

لذا، فنحن بحاجة إلى إدراك هذا البعد الذي يعزز مفهوم الحقيقة التي يتوافق عليها الجميع، ولذا، حينما نتحدث عن الموضوعية، فإننا نتحدث عن الموضوعات التي يقوم الإعلامي بإعدادها، وذلك ينقل بدقة الواقع كما هو، ولا يتدخل في نقل الصورة لما يجري، مستبعداً هواه الشخصي ومصالحه وأيدلوجيته وثقافته ومعرفته من التأثير في ما يقوم بنقله.

ولذا، فإن الموضوعية تصبح قيمة مضللة ومراوغة، إذ إن الوصول إلى الموضوعية كاملة، هو أمر مثالي يستحيل تحقيقه.

لذا، فإن قدرة الإعلامي ومصالحه وأيدلوجيته وإمكاناته لفهم المواقف جميعها، ستؤثر في موضوعية كتاباته، والمطلوب هنا، أن يعمل الإعلامي على أن يقول الحقيقة بقدر الإمكان، وذلك بدون تحيز أو تعصب، ودون أي تحريف.

ونحن ندرك أن وسائل الإعلام تقوم على التركيز على الأحداث وآنيتها، وبدون الموضوعية، يكون عملها بلا قيمة.

Email