وماذا بعد هزيمة «داعش» ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ بدايات ظهوره الأولى وتمدده المفاجئ واتساعه الغامض لم يكن من المتوقع أن يستمر تنظيم داعش الإرهابي في انتصاراته وممارساته التي تتجاوز بالفعل قدرات دول وحكومات راسخة، وبقدر ما كانت سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي والمدن في العراق وسوريا وليبيا مثيرة للدهشة وسط مشاهد عبثية لا يقبلها عقل ولا يقرها منطق، بقدر ما جاءت مؤشرات هزيمته وزواله مؤكدة ومنطقية.

ولعل في الانتصارات الأخيرة التي تحققت في سبيل دحر هذا التنظيم الإرهابي في الدول الثلاث التي عرفت نشاطا «مؤسسيا» لداعش دليل أكيد على أن هزيمته النهائية باتت أكيدة وقريبة كذلك.

ولكن لابد من التأكيد على جملة من الحقائق المقرونة بتلك التطورات، والتشديد على سلسلة من المحاذير وربما المحظورات التي تهدد الدول التي ستشهد هزيمة داعش وزواله وتلك مسألة مثيرة للتساؤل أيضا؛ كيف يكون رحيل داعش مصدرا للخطر والمحاذير والمحظورات....أليس هو أكبر مصدر لكل المخاطر والأعمال الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها أيضاً ؟

أغلب الظن أن الإجابة سهلة وميسورة لكل هذه التساؤلات، فحقيقة أن داعش هو مصدر كل الخطر والمتاعب والتوترات الأمنية والحروب الجارية أيضا، وبرغم ذلك فهناك جملة من المصالح المتوازية بين أطراف إقليمية ودولية متنافرة ومتعارضة توحدت بدون اتفاق مكتوب على حتمية محاربة هذا التنظيم وهزيمته.

ووظفت من أجل تحقيق هذا الهدف الكثير من الدعم العسكري واللوجيستي والمادي والبشري أيضا، ولم يكن من الممكن تحقيق الكثير من الانتصارات العسكرية السريعة سواء في العراق أو سوريا أو حتى في ليبيا بدون دعم وتدخل هذه الأطراف.

ولا يعني ذلك تبرئة أطراف إقليمية ودولية من جريمة مساندة داعش على التوسع وممارسة أعماله الإرهابية سواء بغض البصر عن أعماله الخطيرة أو بالدعم المادي واللوجيستي المباشر تحقيقا لأهداف ذاتية.

حاليا وبعدما أنجزت الأطراف ذاتها أهدافها – غير الواضحة للعيان ومقروءة لكل ذي بصيرة – أصبح الخلاص من داعش أمرا محتوما وهزيمته مسألة ملحة بعد أن نجحت من خلاله في تأسيس بيئة خطيرة، مشاهدها وتداعياتها المقبلة لن تكون أقل خطورة من وجود داعش ذاته، وهنا تكمن المحاذير والمحظورات السابق الإشارة إليها والتي تجعل السؤال منطقيا؛«ماذا بعد هزيمة داعش؟».

مثلما حدث من قبل في مناطق شهدت قتالاً من جماعات ومنظمات «جهادية» أصبحت تمثل خطرا على دول المنشأ، ستكون لهزيمة داعش تداعيات مشابهة، وكما سمعنا عن «العائدين من أفغانستان» و«العائدين من الشيشان»و «العائدين من سراييفو»، سنسمع أيضا عن«العائدين من داعش»، وهذه الظاهرة لن تكون خطورتها واقعة على دول الشرق الأوسط ولكنها ستتمدد لمناطق أخرى من العالم.

وتظل الخطورة الأكبر في الصراعات الداخلية المتوقعة بعد هزيمة داعش والتي ستنقل الأزمات لمراحل أخرى قد تسفر عن حروب أهلية مريرة تضيف إلى ما هو قائم بالفعل في المراحل الحالية، وقد تسفر في نهاية المطاف عن فرض واقع جديد لتقسيم الدول المتصارعة داخليا بشكل أو بآخرعلى أسس عرقية أو جغرافية وربما دينية ومذهبية.

داعش سيزرع بعد رحيله وهزيمته فتنة كبرى أشد خطورة وأكثر قسوة في الدول الثلاث على وجه التحديد، وقد تؤدي إلى مزيد من الحروب والصراعات الدامية.

 

Email