الحمار والفيل وداعش

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من تدخلها في الشؤون الداخلية والخارجية للشعوب إلا أنه لا يحق لنا التدخل في الشؤون الداخلية الأميركية. لكن الانتخابات الأميركية أصبحت شأناً داخلياً لكل دولة في هذا العالم الذي يتأرجح على قرن واحد منذ انكسار القرن الثاني – الاتحاد السوفييتي في العام 1991.

فكل أربع سنوات تقف الدول على أعصابها، تتحسس موازناتها، تحسب ثرواتها، وأخيراً كراسي الحكم فيها وتنتظر من سيحكم أميركا، وطبعاً العالم، الحمار الديمقراطي أم الفيل الجمهوري؟

للحمار والفيل قصة يعرفها الكثيرون لكن لا بأس من التذكير بها.

حكاية الحمار مع الديمقراطيين بدأت سنة 1828 عندما اختار المرشح الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة آنذاك أندرو جاكسون شعار «لنترك الشعب يحكم»، وسخر منافسه الجمهوري كثيراً من هذا الشعار ووصفه بأنه شعبوي ورخيص.

فما كان من جاكسون إلا أن اختار حماراً رمادي اللون جميل المظهر وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية وقاده وسط القرى والمدن المجاورة لمسكنه من أجل الدعاية لبرنامجه الانتخابي «الشعبوي» ضد منافسه الذي كان يظهر على أنه نخبوي وليس قريباً من هموم الناس.

إلا أن الحمار لم يتحول إلى رمز سياسي للحزب الديمقراطي بشكل واسع النطاق سوى سنة 1870، عندما عمد رسام الكاريكاتير توماس ناست الذي كان يعمل لصالح مجلة هاربر الأسبوعية إلى اختيار حمار أسود اللون «عنيد» كرمز للحزب الديمقراطي يتبارز مع فيل جمهوري مذعور.

ومنذ ذلك الحين أصبح الديمقراطيون يفخرون بحمارهم، بل ويدللونه عبر تنظيم مسابقات لرسم أفضل بورتريه للحمار الديمقراطي وإطلاق أفضل الشعارات السياسية التي يمكن أن ترافق صورته، حيث درت مبيعات القمصان والقبعات والنظارات الشمسية وعلاّقات المفاتيح وأقداح القهوة التي طبع عليها رسم الحمار الديمقراطي وهو في «مختلف الأوضاع» ملايين الدولارات.

أما قصة الفيل الجمهوري الضخم فإنه خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1860 كانت الولايات المتحدة عبارة عن شبه قارة مقسمة بين الشمال والجنوب بسبب اختلاف الآراء حول قضية تحرير العبيد، لكن أبراهام لينكولن قرر خوض غمار الانتخابات تلك السنة أملاً في توحيد البلاد أو التقليل من حدة الانقسام على أقل تقدير.

وظهر الفيل كشعار للحزب الجمهوري لأول مرة في دعاية سياسية مساندة للينكولن في هذه الانتخابات التي فاز بها فعلاً.

لكن الفيل لم يتحول إلى شعار سياسي للجمهوريين إلا عام 1870 عندما قام رسام الكاريكاتور الأميركي الشهير توماس ناست بالتعبير عن تذمره مما وصفه بخروج الحزب الجمهوري عن قيمه الليبرالية واختصر الحزب في رسم كاريكاتوري لفيل ضخم مذعور يحطم كل ما تطأه قدماه كتب على جسمه عبارة (الصوت الجمهوري)، ومنذ ذلك الحين تحول الفيل إلى شعار للحزب الجمهوري.

وقال ناست إنه اختار الفيل الضخم للدلالة على كثرة المال لدى الجمهوريين إضافة إلى صوتهم الانتخابي الوازن. ويحظى الفيل الجمهوري باهتمام إعلامي بالغ في كل مناسبة سياسية في الولايات المتحدة وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية، ويعتني الجمهوريون كثيراً بتلوينه وتحديد معالمه الضخمة في اللافتات الإعلانية الخاصة بالحزب.

المعركة الانتخابية الحالية على أشدها، ولا يهمنا نحن العرب من سيكسب ومن سيخسر، هيلاري أم دونالد فنحن الخاسرون أياً كانت النتيجة في ضوء السياسة الأميركية في منطقتنا. لكننا معنيون بما سيفعل الرئيس المقبل حيال لغز ما يسمى الربيع العربي وبخاصة «داعش».

فقد اتهم ترامب الرئيس باراك أوباما ووريثته السياسية هيلاري كلينتون بـ«تأسيس» تنظيم داعش.

ولم يكن هذا الاتهام مجرد زلة لسان أو من باب المغالاة، بل قال ترامب «أنني اعتبر الرئيس أوباما وهيلاري كلينتون مؤسسي تنظيم داعش»، مكرراً هذه التهمة في تجمعات عامة عدة، ومؤكداً عليها في مقابلة صحافية. وفي أقل من 24 ساعة، طغت هذه التهمة الجديدة على كل السجالات العديدة التي أثارها المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية منذ نهاية يوليو والتي ساهمت في تراجعه في استطلاعات الرأي.

وأقر هو نفسه أن استراتيجيته للفوز في انتخابات نوفمبر لم تحدد بصورة تامة بعد. وقال ترامب لشبكة «سي أن بي سي» «لا أعتقد أنني ارتكبت أخطاء كثيرة»، ما يوحي بإقرار ضمني بأنه ارتكب بعض الأخطاء. لكن باتهامه أوباما وكلينتون التي تسلمت وزارة الخارجية بين 2009 و2013 بالوقوف خلف قيام تنظيم داعش، فإن ترامب يعود إلى موضوع أليف بالنسبة له وهو الإرهاب.

وقال ترامب أمام تجمع كهنة محافظين في أورلاندو بولاية فلوريدا «إنهما مؤسسا تنظيم داعش لأنهما أثبتا سوء تقدير»، مضيفاً «إن تنظيم داعش سيمنحهما جائزة أفضل لاعب». وقد ندد فريق حملة هيلاري كلينتون بتصريحات ترامب منتقداً ثغراته في المسائل الدولية.

وقال مستشار كلينتون جيك ساليفان «إن كلام دونالد ترامب ملفت لأنه يردد مرة جديدة صدى الحجج التي يستخدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخصومنا لمهاجمة القادة الأميركيين والمصالح الأميركية، في وقت لا يقدم اقتراحات جدية لمكافحة الإرهاب».

لا يزال تنظيم «داعش» لغزاً محيراً، وقد يكون في كلام ترامب شيء من الحقيقة. فثمة أسئلة لا إجابات شافية لها: من أوجد داعش، وكيف تمدد ليسيطر في العراق وسوريا على ما مساحته تعادل مساحة بريطانيا، ألم يكن بإمكان أميركا القضاء على التنظيم منذ بداياته وهي التي تمكنت من القضاء على أحد أقوى جيوش العالم ونعني الجيش العراقي؟ أسئلة كثيرة مُرّة في حلوقنا نحن العرب ولا إجابات شافية!!

 

Email