قراءة في مسار العلاقات الأميركية الإيرانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا تريد الولايات المتحدة من إيران وماذا تريد إيران من الولايات المتحدة؟ هذا السؤال يتردد في الأذهان ونحن نراقب تقارب العلاقات وتقلب الاستراتيجيات وتصارع المصالح بين الطرفين. فلا يوجد منهج واضح للعلاقة بينهما أو مسار سياسي محدد بل تغير وتبدل تمليه أجندات قومية لكلا الطرفين ومصالح اقتصادية وسياسات دولية عصية على الفهم.

ويبدو أن هناك تخبطاً واضحاً في السياسة الأميركية تجاه إيران، والسبب في هذا التخبط هو في الأساس الحسابات الأميركية الخاطئة التي دفعت واشنطن إلى المراهنة على دولة مثل إيران بوضعها المنبوذ بين جيرانها وسياساتها العدائية ونهجها في تصدير الثورات.

فمنذ بروز الولايات المتحدة كقائد للمعسكر الغربي بعد الحرب العالمية الثانية وتوجهاتها نحو الخليج العربي وإيران هي توجهات تمليها المصالح الاقتصادية وتقلبات الأيديولوجيات القومية. ومن الواضح أن الأهداف الأميركية في الخليج لم يطرأ عليها أي تغير في المضمون منذ الخمسينيات من القرن العشرين وحتى الوقت الراهن، وإنما التغير طرأ على المنهج السياسي. فقد كان لدى الولايات المتحدة اعتقاد أن المنطقة بأسرها غير قادرة على حماية نفسها، ولهذا كان جزء من استراتيجية الولايات المتحدة نحو الخليج هو توفير الدعم العسكري.

ولعل في رصد الدور الذي لعبته أميركا في إيران وخاصة تجاه ثورة مصدق عام 1953 ما يكشف التغلغل الأميركي في إيران لتصبح فيما بعد مسؤولة عن استقرار أمن الخليج العربي في عصر الشاه محمد رضا بهلوي.

كانت الولايات المتحدة تهدف إلى تقوية الروابط مع الدول التي لها حدود مشتركة أو روابط قوية مع الاتحاد السوفييتي، كإيران وتركيا والعراق، وهذه التقوية لا تأتي إلا بالأحلاف العسكرية، وهكذا ولد حلف بغداد في الخمسينيات والذي كانت إيران عضواً فيه. ولكن ذلك الحلف خلق انقساماً داخل الدول العربية الأمر الذي أثر على استقرار المنطقة ككل وخلق وضعاً مقلقاً للولايات المتحدة الأميركية. وتنامى هذا الوضع في أواخر عقد الستينيات عندما أعلنت بريطانيا عزمها الانسحاب من الخليج.

فقد وجدت أميركا نفسها في مأزق بسبب المسؤولية الدولية التي اختطتها لنفسها وبسبب انغماسها في حرب فيتنام المكلفة. وقد آمنت أميركا بضرورة ملء الفراغ الذي سوف يتركه الانسحاب البريطاني كما وجدت في الشاه شخصية مناسبة للعب الدور الذي لم ترغب هي في لعبه ألا وهو دور الشرطي.

ولهذا حظي الشاه بمباركة وتأييد الولايات المتحدة السياسية والعسكرية. فهناك عوامل تجعل من إيران لاعباً رئيساً في سياسات أميركا الخارجية. فموقع إيران الجغرافي بالإضافة إلى عدم وجود مشاكل مع إسرائيل جعل هناك توافقاً كبيراً بين السياسات الأميركية والإيرانية حيث خدمت هذه السياسات المصالح الأميركية بشكل جيد وخدمت السياسات الأميركية بدورها طموح الشاه لكي يبرز كقوة في الخليج.

ولكن ربما يكون الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الإدارة الأميركية هو التقليل من خطر المعارضة الداخلية للشاه ونصيحة أميركا للشاه بعدم استعمال القوة العسكرية تجاه المعارضة حيث إن ما يحدث هو استياء عابر وليس ثورة.

وبما أن الإدارة الأميركية كانت متيقنة أن الشاه هو أفضل ضامن لاستقرار الخليج فهذا يفسر تحركات الإدارة الأميركية للتواصل مع المؤسسة العسكرية في داخل ايران لضمان بقاء الشاه. ولكن ما حدث في إيران لم يكن بالمتوقع. فقد تمزق الوضع الداخلي وفقد نظام الشاه شعبيته، وبالتالي كان التدخل الأميركي لحمايته أشبه بالتدخل في فيتنام. وبهذا يمكن القول بأن عدم التدخل الأميركي في إيران لم يكن تعبيراً عن مواقف أيديولوجية معينة بقدر ما كان فهماً خاصاً لطبيعة الثورة الخمينية الإيرانية.

ولعقود بعد الثورة استفادت أميركا من الأحداث الطارئة في المنطقة للضغط على إيران بما فيها تجميد الأصول الإيرانية والحصار الاقتصادي. وهكذا انقلب الحال لتصبح أميركا «الشيطان الأكبر» في عين إيران ولتصبح إيران «مثلث الشر» في عين أميركا.

ولمدة ثلاثة عقود ونيف كانت العلاقات الأميركية –الإيرانية مثالاً للتشنج والتقلب اعتماداً على الأيديولوجيات المتبعة والمصالح الاقتصادية المتنامية والسياسات الدولية المعقدة، وأيضاً سياسات إيران العدوانية، خلال هذه الفترة شغل ملف إيران النووي ليس فقط قلق جيرانها العرب ولكن أميركا والعالم. ولكن نقطة التقاء المصالح حانت أخيراً وتمخضت عن ذلك الاتفاق التاريخي بين الولايات المتحدة وإيران الذي فتح صفحة جديدة بين الطرفين.

إن رصد وتحليل العلاقات الأميركية –الإيرانية منذ تبلورها وحتى هذه اللحظة يقدم لنا أنموذجاً واضحاً لتبدل العلاقات الدولية وتغيرها ليس فقط اعتماداً على المصالح والأيديولوجيات بل على موازين القوى المعقدة، لكن هل ينجح الرهان الأميركي على إيران، وهل يتحول الشياطين والأشرار إلى ملائكة وأخيار؟

Email