إدارة المعرفة في الجهات الحكوميّة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مفهوم إدارة المعرفة يقوم على مجموعة من الأنشطة التي تضم عدداً من المكونات، مثل التحسين والتطوير وإدارة المبادرات وتحليل واستيعاب الدروس الرئيسة المستفادة، والتي تركز بصفة أساسية على أربعة عناصر هي «الأفراد» و«العمليات» و«التكنولوجيا» و«المعرفة» نفسها، حيث تعتبر جميعها الموطن الطبيعي للمعرفة ومحل انعكاسها.

ونجاح أية مبادرة لإدارة المعرفة يتطلب دراسة جميع هذه العناصر وضمان التفاعل فيما بينها، لكي تنعكس على المنظومة الخدمية والإنتاجية للمؤسسة وتلبي احتياجات متعامليها وتسهم في تحسين مهاراتها ومعارفها، وصناعة القرار وغيرها.

إن التطبيق الصحيح لإدارة المعرفة واستخدام التعلم المؤسسي وتحقيق الارتباط بين أعضاء الفرق بالإضافة إلى تعزيز التغذية الراجعة على العمليات والإجراءات والسياسات والاستراتيجيات، من شأنه أن يحقق نمواً مطرداً في نتائج المؤسسة.

وتبذل حكومتنا الرشيدة جهوداً حثيثة للانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة عبر تشجيع الابتكار والبحث والتطوير وتعزيز الإطار التنظيمي للقطاعات الرئيسة وتشجيع القطاعات ذات القيمة المضافة العالية بما يطور من بيئة الأعمال ويعزز من جاذبية الدولة للاستثمارات.

ونتيجة لذلك تبوأت الإمارات خلال فترة وجيزة مكانة متميزة في مؤشرات المعرفة حيث صنفت وفقاً للمؤشرات الصادرة عن تقرير اقتصاد المعرفة التنافسي في مؤشر الاقتصاد المبني على المعرفة متصدرة الدول العربية في هذا المؤشر.

كما أظهرت دولة الإمارات قدرة جيدة في التعرف على مصادر المعرفة الخارجية وتوطينها حيث بلغ تصنيف الدولة في مؤشر «ترسيخ المعرفة» المركز الـ 14 في القدرة والتاسع في الأداء، كما تقدم الدولة أداءً جيداً وتتبنى ابتكارات جديدة وتقوم بنشرها في جميع جوانب اقتصادها، حيث بلغ تصنيف الدولة في مؤشر «نشر المعرفة» من ناحية القدرة المركز السابع والخامس من حيث الأداء والثالث عالمياً أيضاً في اجتذاب المواهب المتخصصة في بناء اقتصاد المعرفة وفقاً لمؤشر التنافسية العالمية 2014-2015.

ومن يتتّبع علم الإدارة يرى أنه دوماً ينحو إلى الكمال إلا إن التطوير في الإدارة مستمر ولا يتوقف، حيث بدأت الطرق الحديثة للإدارة تفسح مجالات للمعرفة والإبداع والابتكار والحوكمة كون الأولى.. أي - المعرفة - تشكل رافداً كبيراً لبناء القدرة المؤسسية لأية منظمة لكي تنافس غيرها بجدارةٍ واقتدار.

وإذا تطرقنا إلى خصائص المعرفة بشيء من الإيجاز نرى أنها توجد في عقول الموظفين، وإنها تولّد وتموت، ويمكن أن تمتلك، ويمكن أن تخزّن ويمكن أن تصنّف.

ونستخلص من هذه الخصائص شيئاً مهماً وهو أن المعرفة كائن حيّ مرتبط بالموظف يوّلد، يموت، يمتلك، يخزّن، يصنف، وهي بعد أوصاف حركية حيّة تحيا بحياة المنظمة، وتموت بموت الإدارة والإدارة المؤسسية فيها.. فالمشاهد والمتتبع لحال المعرفة في أغلب المؤسسات الحكومية نرى أنها تجتر نوعين من المعرفة هما المعرفة الضمنية والمعرفة الصريحة فقط رغم أن هناك أنواعاً أخرى من المعرفة مثل: المعرفة الإجرائية، المعرفة الإدراكية، المعرفة السببية، المعرفة الجوهرية، المعرفة المتقدمة، المعرفة الابتكارية.

وإذا تطرقنا إلى المعرفة الابتكارية سنجد أنها تمكّن المنظمة من أن تقود وتميز نفسها بشكل مباشر عن منافسيها لأنها تتوقف على الابتكار لما هو جديد في المعرفة حتى تكون مصدر قوة تسمح لها بالمنافسة في مجال اختصاصها، أما المعرفة المتقدمة فهي التي تجعل المنظمة تتمتع بقابلية البقاء والمنافسة، وبهذه المعرفة المتقدمة تسعى لتحقيق مركز تنافسي أو التميز في شريحة معينة.

ولذلك نرى أن أغلب المؤسسات مازالت تتراوح بين مفهوميّ المعرفة الصريحة والمعرفة الضمنية، وإن كانت الأخيرة لم تتبلور بالشكل المطلوب مؤسسياً إلا أن المعرفة الضمنية لم تأخذ حقها من حيث التوثيق والاستفادة والتعلّم، فالموظفون هم رأس المال الفكري لأية مؤسسة عندما يتقاعدون أو تنهى خدماتهم أو يتوفاهم الله تكون المؤسسة حينئذ في شغل عنهم لأي سبب من الأسباب، وبهذا تضيع ثروة فكرية ومعرفية جرّاء هذا التأخير في «اقتناص» معارفهم الضمنية.

لذا فالمؤسسات التي تريد حياة مؤسسية مستمرة يجب أن تعتمد على معارفها الذاتية، وتجعلها رافداً إثر رافد، فالبيانات في حد ذاتها ليست معرفة حتى تتحول إلى المعلومات لتصبح «المعرفة» ولا نكتفي بهذه المعرفة بل تصل بها إلى مرحلة «الحكمة» لتكون مؤسسة حكيمة، وكلنا نعي ماذا تعني «الحكمة» بقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}. لذا نستشف هنا إن المعرفة المتبناة التي نريدها تؤدي بنا إلى الحكمة فهل بعد الحكمة قيمة..؟

فالمعرفة والعمل في إطارها ليس «موضة مؤسسية مؤقتة» بل هي علم وفن وأدوات واستراتيجيات منها: التدوير الوظيفي – الذي لا يريده الكثيرون – والتوجيه والتدريب والاستفادة من الموظفين المتقاعدين من ذوي الخبرات الكبيرة، حيث إن مناقشة استراتيجيات تطوير الهيكل التنظيمي لقطاع إدارة المعرفة في المؤسسات الحكومية والخاصة تعد من أحدث أدوات التطوير والأسس الاستراتيجية والتكنولوجية لتطبيق نظم التحول المؤسسي المعرفي وإحداث نقلة نوعية في بناء منظومة الأداء المؤسسي الاقتصادي المعرفي والفكر القيادي الحديث.

ولابد من تهيئة البيئة الصالحة للتعامل مع الاقتصاد المعرفي وإعادة النظر باستراتيجيات التعليم من ناحية السياسات وإعداد المعلمين والمناهج التعليمية وإنشاء مراكز الابتكار في أروقة الجامعات لتكون أرضاً خصبة للإبداع والابتكار. وتطوير بنى استراتيجية وطنية وقومية تعيد إطلاق طاقات البشر للتعلم والنهل من المعرفة وتنمية قدرات الإنسان على التعلم المستمر من المراحل التعليمية الأولى وتهيئة الموارد البشرية في المؤسسات الحكومية وفق مفاهيم إدارة المعرفة.

ولابد أن ننتبه إلى قوة العلاقة بين الإحصاء وبناء المعرفة ومن ثم إدارة هذه المعرفة، فقبل إدارة المعرفة لابد أولاً من امتلاك المعرفة، ولامتلاك المعرفة لابد من الإحصاء لإنتاج البيانات وبناء قواعد المعلومات الدقيقة والحديثة على أسس علمية ومعايير دولية.

Email