رفاهية المتعاملين وإسعاد الموظفين

ت + ت - الحجم الطبيعي

«لا بد من تحقيق السعادة لموظفيك، حتى يستطيعوا تحقيق السعادة للمجتمع»..

محمد بن راشد آل مكتوم

رفاهية الموظف تعني أنه يفخر بعمله وبالمؤسسة التي يعمل فيها، ولا يمكن أن يتحقق هذا دون موظفين لديهم الحافز الكافي. ويمكن للمديرين تقديم أدوات تحفيز قصيرة المدى مثل العلاوات والمكافآت والتقدير المعنوي والتكريم، إلا أنه على المدى الطويل يجب أن يجد الموظفون بأنفسهم دافعا ليكونوا أكثر إنتاجية.

وعادة ما يتوافر التحفيز لدى الموظفين عندما يشعرون بأهمية الوظيفة التي يؤدونها وأنها ليست مجرد نشاط روتيني ممل ويكون لديهم شعور بالمسؤولية والحرية في اتخاذ القرارات. ويشعرون بالتواصل مع زملائهم وبأنهم جزء من رسالة أو مهمة يؤديها فريق العمل في المؤسسة. ويؤمنون بأن مؤسستهم تزيد من معرفتهم ومهاراتهم وخبراتهم ويحظون بالتقدير من مرؤوسيهم وزملائهم لما يحققونه من إنجازات.

وتولي قيادتنا الرشيدة سعادة ورفاهية موظفيها أهمية بالغة وذلك انطلاقاً من قناعتها الإنسانية والمؤسسية بأن الموارد البشرية في أي مؤسسة هي السبيل الذي ترقى به المؤسسة إلى التميز والعالمية.

وبالفعل تتسابق الهيئات والمؤسسات الحكومية اليوم إلى تبني كل جديد فكراً وإدارةً وممارسات في بيئات العمل؛ لأن العالم من شرقه إلى غربه تعوّد أن يرى جديداً، أو بالأحرى يرى إبداعاً وابتكاراً وتفرُّداً وريادة.

وقد أصبح القطاع الخاص والقطاع الحكومي على حد السواء أمام تحديات لملاحقة ما يُسعد الموظفين ويُسعد المتعاملين، لهذا أصبحت الأهداف الاستراتيجية أكثر طموحاً، والرؤى أكثر استشرافاً وملامسة للمستقبل واستحضاره، وقادة المنظمات الواعية يعرفون أن قيمة الرفاهية كبيرة في جعل منظماتهم أكثر شباباً وحيوية لأن الموظفين المرّفهين فيها يكونون أكثر إنتاجية بل الأكثر استمرارية في العمل بنفس المستوى والأداء الإيجابي، ويظلون في حيوية كبيرة في إنجاز الأعمال لأنهم رواد للأعمال لا موظفين تقليديين أو روتينيين، ولمشاركة الموظفين في اتخاذ القرارات فوائد كثيرة مؤكدة، أهمها: زيادة الإنتاجية وضمان رضا المتعاملين، إضافة إلى تكوين الموظفين لفكرة إيجابية عن أنفسهم وعن المؤسسة التي يعملون فيها، حيث يتميز الموظفون المشاركون بالتأكد من رضا المتعاملين. والنظر إلى التغيير باعتباره تحدياً وليس أمراً مستهجناً مفروضاً عليهم والترحيب بفرص التعلم والنمو.

والحفاظ على التفكير الإيجابي وعدم ترك الإخفاقات تحبط من عزيمتهم. والاستعداد لتجربة الأشياء الجديدة حتى لو كانت صعبة. وهناك فارق بين الموظفين الراضين والموظفين المشاركين، فكلا النوعين يتميز بالمهارة والمعرفة والخبرة والولاء والاحترام، إلا أن الموظفين المشاركين يتميزون أيضاً بأنهم يبذلون جهداً أكبر في العمل حتى لو لم يطلب منهم.

إذن الرفاهية في اعتقادنا الشخصي تقوم على جعل الموظفين سعداء نشيطين يتمتعون بِصّحةٍ وعافية ولياقة عالية، لأن ازدهار ونمو المنظمات مرتبط بقوة وحيوية وصحة هؤلاء الموظفين لأن المنفعة ليست شخصية بل مؤسسية لأنها تعود على المنظمات والمؤسسات بكثير من المنافع أهمها استمرار خدمتهم في ظل العمل وقلة تغيّبهم والتمارض وأهم مقوّمات هذه الرفاهية الصحة المؤسسية، ونعني بها توافر السعادة والرفاهية في أوساط الموظفين وتجمعات المتعاملين معهم.

أحياناً يركز كثير من المديرين على سلبيات موظفيهم، في حين يتقاعسون عن تقدير إنجازاتهم والإشادة بها. وهذا التصرف يمنع أو يحد من وجود بيئة إيجابية تشجعهم على مزيد من الإنجازات. ولا يشترط أن يكون هذا التقدير مادياً، إذ قد يكفي مجرد دعوة الموظفين على الغذاء في العمل أو السماح لهم بالمغادرة مبكراً في آخر أيام الأسبوع مثلاً. على النقيض من هذا أثبتت الدراسات أن المدير القريب من موظفيه، بما لا يخل بميزان القوى، يحظى بمزيد من التقدير والاحترام ويكون أقدر على تحفيز موظفيه من المدير المتباعد.

وكثير من الجهات الحكومية قامت بإعادة هيكلة «إدارة علاقات الموظفين» وتسميتها بـ«إدارة إسعاد الموظفين» ضمن قطاع الموارد البشرية وذلك لإدارة الأنظمة الخاصة المعتمدة لإسعاد الموظفين والأنشطة المرتبطة بها، وما يترتب على ذلك من إعادة هيكلة لأقسام أخرى ذات علاقة بالموضوع وتطوير مهامها بما يتوافق مع مسمى الإدارة الجديدة وأهدافها".

وتهدف إلى ترسيخ ودعم التوازن المهني والاجتماعي والصحي والرياضي للموظف من خلال تطبيق آليات معينة يتم فيها توعية الموظفين بأهمية هذا التوازن وانعكاساته على الأداء الوظيفي والاستقرار النفسي والاجتماعي والصحي والرياضي للموظف من خلال توفير المختصين الصحيين والنفسيين لتقديم الدعم للموظفين، وتخطيط وتطوير مبادرات وأنظمة جديدة بالتنسيق مع الإدارات المختصة بالصحة والسلامة تصّب في الأهداف الموضوعة.

ويجب على القادة الإداريين في الجهات الحكومية تطوير المبادرات الصحية (المؤسسية) الموجهة للموظفين، وجعلها من الأولويات الأولى حتى يضعوا مؤسساتهم على طريق تحقيق نمو مستدام وكبير حاضراً ومستقبلاً.

ومحصلة القول: إن من أهم مقومات الرفاهية في الحقبة القادمة أن يكون القائد الإداري والمدير والموظف (أو رائد الأعمال) معافى حيوياً حتى يشعر بحافز أكثر وحيوية أكبر، وحتى يكون جزءاً من منظومة الرفاهية المؤسسية، والتحدي الأكبر يكون عندما تسعى المنظمات إلى إدخال الرفاهية في المعجم المؤسسي الخاص بها لتظلل الرفاهية كلاً من الموظف والمتعامل والشريك والمورد مرفهاً والمجتمع كمحصلة نهائية.

Email