رؤى وخطط الإمارات لاقتصاد ما بعد النفط

ت + ت - الحجم الطبيعي

في موازاة الجهود المبذولة حاليا لتطوير تقنيات جديدة في اكتشاف وإنتاج الوقود الأحفوري لأجل ضمان استدامة الطاقة النفطية إلى أبعد مدى ممكن فقد طُوّرت أفكار ورؤى استراتيجية للبحث عن الطاقة البديلة، فجاء قرار انشاء معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا كجامعة متخصصة في الدراسات العليا في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة، كما جاء انشاء شركة أبوظبي لطاقة المستقبل لتوسيع الخبرة الإماراتية في مجالات الطاقة التجارية حيث تسعى الشركة إلى تنفيذ مبادرات تنموية فيما يتعلق بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح واحتجاز وتخزين الكربون، كما جاء إنشاء مدينة «شمس 1» لتؤكد الدولة دورها الريادي في التقنيات النظيفة، يُذكر أن حكومة دبي تستثمر 50 مليار درهم في تطوير مشاريع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، وفي المدى البعيد فإنه من المتوقع أن تساهم هذه المشاريع في توفير 75% من الطاقة النظيفة ويشمل ذلك الطاقة الشمسية والفحم النظيف والطاقة النووية إضافة إلى الغاز الطبيعي.

إضافة إلى ذلك أنشأت الدولة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية لتكون هي الجهة المسؤولة عن تطوير محطات الطاقة النووية في الدولة حيث تعمل المؤسسة حاليا على تطوير مفاعلات نووية في موقع براكة في المنطقة الغربية لإمارة أبوظبي لانتاج 25% من احتياجات الدولة من الطاقة الكهربائية.

إن من شواهد الأفق المنظور ثورة تكنولوجية جديدة من شأنها أن تغير هيكل الاقتصاد العالمي كله وتحدث تغييرات جذرية في جوانب متعددة من الحياة المادية في ظاهرة يحب أن يطلق عليها خبراء الاقتصاد اليوم «الثورة الصناعية الرابعة»، وقد سبقت دولة الإمارات دول العالم في اقتناص الفرص الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي باطلاقها استراتيجية الطباعة ثلاثية الأبعاد في دبي حيث ستساهم هذه التقنية في خفض تكاليف التشييد والبناء، وخفض الوقت المستغرق لاكمال المشاريع وتقليل حجم العمالة المطلوبة إضافة إلى خفض نسبة المخلفات الناتجة أثناء عمليات التعمير، وبالتالي المساهمة في الجهود المبذولة لحماية الإنسان من مخاطر بيئية محتملة، وقد تبنت الدولة تقنيات انترنت الأشياء وتطبيقاتها، والتي سيكون لها انعكاسات إيجابية مستقبلاً على القطاعات الاقتصادية كلها، فبحسب دراسة معهدي «مكنزي» و«أنالتكس» فإن انترنت الأشياء سيغير الأنماط الإدارية والتشغيلية الحالية خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والشؤون الأمنية، وكخطوة استباقية في هذا الشأن تم اطلاق «مختبر النهوض بانترنت الأشياء» في واحة دبي للسيليكون بهدف تطوير تقنيات متقدمة جداً للمدن الذكية والمنازل الذكية والنقل الذكي، وبالتعاون مع الشركات المحلية لا سيما إذا علمنا أن القيمة السوقية لهذه التقنيات وصلت اليوم إلى 6.2 تريليونات دولار.

تتجه الدولة في سعيها إلى ضمان تنمية مستدامة غير معتمدة على النفط إلى تطوير قطاع خاص فاعل ومؤثر يؤدي دوراً محورياً في الاستدامة المالية والاقتصادية؛ فأطلقت مبادرات لتحفيز ريادة الأعمال، وتوفير بيئات عمل مشجّعة لمؤسسات هذا القطاع من خلال التشريع والأطر القانونية والإدارية التي تسهّل وتيسر النشاط الخاص لأجل خلق قطاع قادر على النمو ذاتياً، لا سيما وقد تبوأت الدولة المركز الخامس عالمياً في مؤشر كفاءة الأطر التنظيمية والقانونية وفق تقرير مستقل صادر من المعهد العالمي لإدارة التنمية في سويسرا، ولأجل مزيد من الدعم والتشجيع في هذا الاتجاه طرحت حكومة أبوظبي 100 مشروع استثماري يساهم القطاع الخاص في تنفيذها وبتكلفة اجمالية بلغت 15 مليار درهم، وتساهم حالياً أكثر من 1000 شركة إماراتية في تصنيع وتطوير أول محطات للطاقة النووية في بلادنا، وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة «ماجد الفطيم» أعلنت مؤخراً عن ضخ 30 مليار درهم استثمارات في مشاريع تجارية عملاقة حتى عام 2025م ليصل اجمالي استثماراتها في السوق المحلي إلى 48 مليار درهم، مما يؤكد استدامة تدفقات الاستثمار في القطاع الخاص لا سيما وقد حافظت الدولة على صدارتها في التنافسية إذ عززت تصنيفها في المركز 15 ضمن أكثر الاقتصادات تنافسية وفق الكتاب السنوي للتنافسية العالمية الذي يصدر كل عام من مدينة لوزان السويسرية.

كشف تقرير أصدرته وزارة الاقتصاد في مايو الماضي تواصل نمو الاقتصاد الوطني بنسبة 2.7% خلال العام الحالي ليصل إلى 3.1% العام المقبل، وأوضح التقرير بأن توقعات المؤسسات والوكالات الدولية المعنية بالاقتصاد العالمي بأن اقتصادنا سيستمر في النمو ليصل إلى 4.1% مع عام 2020، وتؤكد هذه القراءات والاستنتاجات بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت العاصمة أبوظبي في أبريل الماضي حيث نوهت بجهود الدولة في دعم النمو المستدام وخطواتها الاستباقية في اتجاه الاقتصاد الكلي وتبنيها سياسات مالية ونقدية مكنتها عام 2015م من تحقيق نمو يعادل ضعف معدل اقتصادات منطقة اليورو.

وبعد، فهكذا تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة للتأقلم والتكيف مع تحديات اقتصاد ما بعد النفط من خلال تخطيط استراتيجي متطور ورؤى مستقبلية واضحة لأجل استدامة السعادة للأجيال القادمة، وقد أكد ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أثناء «خلوة ما بعد النفط» عندما قال: «سنواصل استشراف المستقبل والتخطيط له، وسنمضي في اطلاق المبادرات الوطنية الفاعلة، ونبني منهجاً غير تقليدي في رفد مسيرة التنمية الشاملة»... دام عزك يا وطن.

Email