ما الجديد في تقرير«تشيلكوت» ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

السمة الوحيدة في الغالب لتقرير السير جون تشيلكوت حول إدانة الدور البريطاني في العدوان الأميركي – الغربي على العراق عام 2003 خلال فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق توني بلير أنه جعل ما كان معروفاً ومتداولاً بشكل غير رسمي، معلناً بشكل رسمي وصريح بشهادة شهود من العشيرة البريطانية لتتكامل معالم الحرب التي شاركت فيها بريطانيا، ولم يكن ما ورد في التقرير مفاجأة في حد ذاته، وليس أدل على ذلك ما جاء في صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية عن تقرير السير تشيلكوت بخصوص الحرب في العراق مؤكدة أن التحدي الذي واجهه السير جون وزملاؤه في لجنة التحقيق هو أن يأتوا بشيء جديد لا يعرفه الناس عن الموضوع، حتى وإن جاء قويًا في انتقاده لأسلوب إدارة بريطانيا لغزو العراق والفشل الذريع في التعامل مع فترة ما بعد الغزو.

لقد استطاع التقرير بالفعل أن يضفي صفة رسمية على الاتهامات التي راجت ضد التحالف الغربي في الحرب على العراق منذ سنوات بأنها حرب بلا مبرر، برغم ما أخذه البعض على اللجنة لخلوها من القضاة أو المحامين وعدم تبعيتها لمجلس اللوردات ومحدودية صلاحياتها وعدم قدرتها على الاطلاع على الوثائق والتقارير السرية، كما أن جميع جلساتها سرية باستثناء بعض الأشخاص مثل جلسة الاستماع لشهادة بلير. ولكن المهم هو صدور التقرير من جهة بريطانية مسؤولة لتضع الكثير من النقاط على الحروف.

أما اعترافات بلير واعتذاراته الجزئية واعتبار نفسه مسؤولاً عن كل قرارات غزو العراق – مثلما سبقت الإشارة من قبل على هذه الصفحات - جاءت متأخرة ولكنها ليست من ذلك النوع الذي يحمل الفضيلة حتى نرحب به أو ننعته بقول «الرجوع للحق فضيلة».

ولايزال الملايين من البشر الذين عايشوا تفاصيل هذه الحرب بمقدماتها الكاذبة ونهاياتها المأسوية على قيد الحياة ويدركون بوعي تام ما حدث فيها، فضلاً عن أنها تحمل تناقضات رهيبة وتعكس رغبة سياسية لدى واشنطن ولندن لغزو العراق بهدف سحق صدام حسين بعيداً عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل. فلا يستطيع عاقل أن يتحدث عن حسابات خاطئة أو معلومات استخباراتية مضللة ويعتبرها سبباً كافياً لغزو دولة وتحطيم أمة وتدمير شعب، فهي من نوعية «الأخطاء المدمرة» والجرائم الكبرى التي ارتكبها الحلفاء في غزوهم للعراق بنية مبيتة على تدمير هذا البلد ونظامه.

وكانت شهادة كبير مفتشي الأسلحة الدوليين السويدي هانز بليكس قاطعة في تلك الأيام بأن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل. الرجل نفسه كذب الولايات المتحدة على أعلى مستوى في أكبر محفل دولي؛ مجلس الأمن الدولي، عندما اتهمت واشنطن صدام حسين بإخفاء أسلحة الدمار الشامل داخل شاحنات عملاقة متحركة تجوب شوارع البلاد لعدم ضبطها، فأذاع بليكس على العالم تقريره الشهير الذي أكد فيه أن هذه الشاحنات ليست إلا «برادات» تحمل اللحوم والخضروات.

وعندما قدمت واشنطن مجدداً خطاباً موقعاً وموثقاً من جانبها إلى مجلس الأمن يتهم العراق بشراء كميات من خام اليورانيوم من دولة النيجر لتصنيع أسلحة نووية، جاء الرد أيضاً حاسماً ولكن هذه المرة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك والتي أعلنت للعالم في جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي أن هذا الخطاب «مزور أو مفبرك» وأنه لا أساس له من الصحة.

وهكذا سقطت كل الحجج الأميركية في وقتها وثبت كذب أسانيد واشنطن وحلفائها لغزو العراق بشهادات رسمية من المنظمات الدولية. ورفضت الأمم المتحدة إعطاء مظلة رسمية للغزو وأحجم مجلس الأمن عن تفويض أي جهة للقيام بهذا العدوان، إلا أن الرئيس الأميركي وقتها جورج بوش الابن ومعه حلفاؤه الغربيون أصروا على مخططاتهم الجهنمية، ولا تغيب عن الذاكرة مطلقاً جلسة مجلس الأمن الشهيرة التي تحول خلالها كولين باول وجاك سترو وآنا بالاثيو وزراء خارجية أميركا وبريطانيا وإسبانيا إلى ما يشبه شياطين الإنس وظهروا في هيئة مصاصي دماء البشر الراغبين في التهام دولة بأكملها.

فكيف نتصرف نحن العرب الذين دُمرت بلادهم وقتلت شعوبهم وخسروا مواردهم الحاضرة والمستقبلية، من يعوض العرب عن جرائم الغربيين، ومن يحاكم مجرمي الحرب وجنرالات الجيش الأميركي عن كوارثهم في دول المنطقة وعلى رأسها العراق؟ ألا يمثل تقرير تشيلكوت الذي قدم إدانة صريحة ومباشرة للغزو الغربي للعراق فرصة سانحة للعرب وجامعتهم العربية كي يتحركوا في سبيل الحصول على تعويضات مناسبة عما لحق العراق والمنطقة من خراب ودمار؟ وألا تمثل تصريحات بلير نفسه إدانة صريحة بارتكاب جرائم الحرب بما يستوجب محاكمته جنائياً دولياً أو محلياً؟ والأهم ألا يمثل التقرير فرصة كبرى للعرب كي يستفيقوا ويتجنبوا الخلافات ويفوتوا الفرصة على القوى الغربية التي لاتزال تفعل كل ما هو ممكن لتدمير المنطقة العربية؟.

Email