تسونامي «اللاجئين» هل أغرق الاتحاد الأوروبي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجح «الريموت كنترول» لجهاز التلفاز في التعبير بقوة عن عنف الزلزال الذي ضرب أوروبا وعديد من مناطق العالم، كرد فعل مباشر لقرار الناخب البريطاني الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فكبسة سريعة على هذا الجهاز السحري كانت كفيلة بالتنقل بنا بين كل عواصم العالم في تلك اللحظة التاريخية الخطيرة أو المثيرة أو المذهلة - حسب القراءات - لنكتشف بسهولة كم كان الحدث «رهيب والله رهيب»!

لا شك في أن المشهد كان ديمقراطياً بامتياز، وتم عبر صناديق الاقتراع وليس من خلال حروب أو صراعات أو أعمال عنف على غرار ما حدث في كثير من دول العالم، حتى داخل أوروبا ذاتها عندما اختارت دول عدة الانسلاخ من الدولة الأم مثلما حدث في الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا في العقد الأخير من العقد الماضي، نتيجة عوامل كثيرة من بينها بالتأكيد نمو الشوفينية الوطنية التي أعادت الدولة إلى حدودها الطبيعية الأصلية وقيمها الخاصة.

وقد تحدث الكثيرون بإسهاب شديد منذ ظهور الدعوة للاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي في العوامل التي قد تؤدي إلى هذا الخروج، ولكن هناك عنصر مهم نظن أنه كان محفزاً قوياً ومؤثراً في قرار الناخب البريطاني، وربما في دول أوروبية أخرى تعالت فيها نعرات مماثلة بعد الاستفتاء البريطاني، وخاصة في فرنسا وهولندا.

هذا العامل هو قضية «اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين» التي انفجرت في وجه أوروبا بقوة في العام الماضي على وجه الخصوص وتسببت بخلافات أوروبية حادة في كيفية التعامل مع الأزمة، ولكن الأخطر أنها أثارت مخاوف الشعوب الأوروبية بشكل كبير، ما أثار النزعات القومية مجدداً للمطالبة بالحفاظ على الهوية الذاتية.

تسلسل الأحداث يؤكد أن الأزمة البشرية التي تصاعدت، والتي تعد الأسوأ من نوعها في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بدأ تفاقمها مع نشوب الثورات العربية عام 2011، لتصل ذروتها نهاية العام الماضي 2015، ما يعكس تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية بعد إعلان قيام دولة داعش الإرهابية في سوريا والعراق في صيف 2014، ثم تمددها إلى ليبيا تحت رعاية أجهزة مخابرات عالمية.

ولم يكن مفاجئاً ما ذكرته مجموعة «مبادرة ودراسات التعدد العرقي» الإيطالية، بعدما أعدت مسحاً كشفت فيه أن مافيا مهربي البشر قد حققت أرباحاً تجاوزت 700 مليون يورو خلال العام الماضي.

وفي ظل هذه الظروف، طرأت تغيرات في مسار اللجوء منذ العام الماضي بشكل ملحوظ، فبدأ الآلاف من اللاجئين في شد الرحال إلى أوروبا عبر بواباتها الشرقية؛ البلقان.

دخول دول شرق أوروبا على المشهد، خدم دول جنوب أوروبا الساحلية، فقد ظل التراشق مستمراً طوال 4 أعوام بين دول جنوب وشمال أوروبا، حيث طالبت الدول الساحلية الأوروبية سائر دول الاتحاد بالتضامن معها في قضية اللاجئين، خصوصاً مع تطورها لتتحول من الناحية القانونية إلى قضية لجوء، وهو ما يفرض التزامات على دولة الاستقبال تمنعها من إعادة «اللاجئين» إلى بلدانهم حفاظاً على سلامتهم.

وشهدت هذه الفترة صداماً إيطالياً فرنسياً، حيث منحت إيطاليا عام 2011 بعض وثائق الإقامة للمهاجرين الراغبين في العبور إلى فرنسا، إلا أن الأخيرة رفضت دخولهم وطالبت بتعديل اتفاقية «شنجن» لوضع بعض القيود من أجل حماية الأمن العام، وظل هذا المطلب يثور من فترة لأخرى وسط مقاومة صارمة من المفوضية الأوروبية، وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي جملته الشهيرة إنه «لا يمكن أن يترك بلاده تواجه الأمر وحدها».

وبذلك اخترقت قضية «اللجوء» قلب الأراضي الأوروبية عبر بوابة البلقان دون اتفاق واضح حول آلية التعاون بين دول الاتحاد الـ28 إزاء الأزمة، فضلاً عن امتعاض الصرب ومقدونيا وتركيا بسبب تخاذل الاتحاد عن مساعدتهم أمام الأفواج البشرية المتدفقة من الشرق الأوسط، وبدأت كل دولة في التصرف بشكل منفرد، فأمر رئيس الوزراء البريطاني بتشديد الحراسة حول النفق المائي الرابط بين بلاده وفرنسا، كما كشف النقاب عن قانون جديد يقضي بسجن المهاجرين غير الشرعيين إذا ما حاولوا العمل في بلاده.

وتعذرت دول البلطيق بصغر حجمها، ما يعوقها عن تقديم يد المساعدة، بينما اقتربت المجر من الانتهاء من بناء الجدار العازل على حدودها مع الصرب، رغم الإدانة الدولية لهذا النهج، وأمام حالة التملص الأوروبي تزايدت المخاوف من أن تفضي الأزمة في نهاية المطاف إلى وضع قيود على اتفاقية «شنجن» التي تكفل انفتاح الحدود بين الدول الأوروبية وحرية الحركة، ما يعصف بجوهر فكرة الاتحاد، وهو ما تجلي بوضوح وبمنتهى القوة في نتائج الاستفتاء البريطاني الذي يعني أن الانتهازية الأوروبية في التعامل مع قضية اللاجئين ربما كانت سبباً فيما يتعرض له اتحادها حالياً، وقد يكون بداية لتفسخ تام وانهياره بالكامل.

Email