تسييس حادث «أورلاندو» هل يخدم ترامب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تشأ الظروف أن تنتهي فترة الحكم الثانية للرئيس باراك أوباما، من دون أن يتعرض بدوره لاختبار كبير، في مواجهة عمل إرهابي ضخم، راح ضحيته خمسون قتيلاً وخمسون جريحاً على الأراضي الأميركية، فعلى مدار ربع القرن الماضي، تعرض الرؤساء الأميركيون لمواجهة هجمات إرهابية ضخمة مختلفة الأشكال والأحجام، وبالتالي، جاءت ردود أفعالهم مختلفة، ولكنها جميعاً كانت تسير نحو التصعيد العسكري.

البداية كانت خلال فترتي حكم الرئيس السابق بيل كلينتون، في عقد التسعينيات من القرن الماضي، عندما تم تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك للمرة الأولى، ثم تفجير البعثات الدبلوماسية الأميركية في كينيا وتنزانيا، ولم يتجاوز رد فعل كلينتون، حدود القيام ببعض الضربات الجوية والصاروخية على مراكز القاعدة وتدريب الإرهابيين في أفغانستان، وضرب مصنع الشفاء لإنتاج الأدوية في السودان، للاشتباه في إنتاجه أسلحة محظورة!

أما خليفته جورج بوش الإبن، فقد كان من نصيبه، مواجهة أضخم هجوم إرهابي في تاريخ الولايات المتحدة، وكان ذلك يوماً مشهوداً، لن ينساه العالم ولا البشرية جمعاء، وهو يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والذي استغل اليمين المتطرف في واشنطن، والبيت الأبيض، ما جرى فيه لافتتاح أول حروب القرن الحادي والعشرين في أفغانستان، لاقتلاع القاعدة من جذورها، ثم غزو العراق، في حرب ظالمة، بزعم نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية.

ونظن أنها الحرب التي عمقت الكراهية ودرجات الرفض للسياسات الأميركية في العالم، الحادي عشر من سبتمبر، وبعد مهاجمة برجي التجارة في نيويورك، وضرب البنتاغون في واشنطن، وتدمير طائرة بنسلفانيا المختطفة، ومصرع الآلاف في هذه الهجمات، أدى إلى عسكرة العالم بشكل واضح من جانب الولايات المتحدة، ووصفت سياسات بوش، بأنها الأسوأ من نوعها، لأنها تجاهلت كل النداءات الدولية لإجراء إصلاحات حقيقية، وتبني سياسات عملية، من شأنها الحد من حالة الاحتقان العالمية، ونزع فتيل قنبلة الإسلاموفوبيا، التي عمقتها سياسات بوش وتوجهاته اليمينية المتشددة.

وبرغم مرور فترتي حكم الرئيس أوباما بلا منغصات كبرى على هذا الصعيد، إلا أن هجوم الأميركي - الأفغاني، عمر صديق متين، على ملهى الشواذ في أورلاندو، وإسقاطه نحو مئة أميركي بين قتيل وجريح، يعد بالفعل أضخم تحدٍ يواجهه الرئيس أوباما على صعيد الإرهاب، ويمكن القول بالفعل، إن هذا الهجوم على الأراضي الأميركية، يمثل لحظة فارقة في الواقع الأميركي، وربما العالمي، خاصة أنه جاء قبل أشهر معدودة من انتخابات الرئاسة الأميركية، التي يبدو أنها باتت رهينة قضيتين أساسيتين، هما الإرهاب والإسلاموفوبيا، تحت مظلة من التطرف اليميني الجديد، نتيجة توجهات وتصريحات المرشح الجمهوري اليميني، دونالد ترامب.

قد يبدو من المبكر، الحكم أو التنبؤ في أي اتجاه ستسير تلك اللحظة الفارقة، ولمصلحة من، ولكن من حيث المبدأ، يبدو أن الرئيس أوباما لن يعمد إلى إجراءات عسكرية تصعيدية، على غرار سلفيه كلينتون وبوش الابن، وقد حرص في هذا السياق، على الدعوة مجدداً، وبمنتهى القوة، إلى عدم الخلط بين الإسلام والإرهاب، وإلى عدم تحميل المسلمين مسؤولية ما حدث، ويبدو كذلك أن أوباما سيسلك النهج القانوني، استبياناً لكل حقائق الحادث، والتعامل معه أمنياً، بعيداً عن التسييس، بغض النظر عن ارتباط المنفذ بجماعة إرهابية وأفكار متطرفة تحاربها الولايات المتحدة في الداخل والخارج، وقد يكون السبب في ذلك، أن المنفذ معلوم الهوية والشخصية، وليس أشباحاً جماعية، اعتادت واشنطن على محاربتها، ولا تزال في الداخل والخارج، إضافة إلى أن عمر متين، في نهاية المطاف، هو شخص أميركي، يحمل الجنسية الأميركية، حتى وإن كانت خلفيته العرقية تشير إلى أنه أفغاني المولد.

طبيعة مثل هذه الأحداث، ترجح عادة أن الطرف المتشدد، ربما يكون هو الأكثر استفادة من مثل هذه الأحداث، إلا أن مثل هذه الفرضية النظرية، لا تثبت صحتها على الدوام، وأكبر دليل على ذلك، هزيمة التيار اليميني المتشدد في آخر انتخابات شهدتها فرنسا بعد هجمات باريس. ولكن هذا لا ينفي أن الطرفين سيحاولان بشتى السبل، الاستفادة مما حدث، لتحقيق مكاسب خاصة في ما يتعلق بقدرتهما على حماية الأمن القومي الأميركي.

وليس أدل على ذلك، من ردود فعل المرشحين، والتي جاءت مختلفة بشدة، تجاه الحادث الذي أثار مجدداً القضية التي طالما شدد عليها الملياردير الجمهوري منذ بدء حملته الانتخابية، وهي ما يتعلق بالتهديد الذي يشكله المتطرفون، بشأن قتل الأميركيين داخل بلادهم، على حد قوله، بينما استغلت كلينتون الحادث، لكسب أصوات الشواذ، وقالت إن الولايات المتحدة بحاجة للعمل مع الحلفاء والشركاء لإحباط الإرهابيين.

وكان واضحاً أن هيلاري، حاولت، قدر المستطاع، عدم تسييس الحادث، اتفاقاً مع موقف أوباما، وحاولت تصوير الهجوم على أنه عمل متطرف، يستهدف طائفة من الأميركيين، بينما عمد ترامب إلى تسييس الحادث، في إطار توجهاته المتطرفة ضد الإسلام والمسلمين، جذباً للناخبين الأميركيين، وتوحيدهم في مواجهة خطر جسيم، من وجهة نظره، ومن ثم، يحتاج لسياسات مختلفة تماماً، وأغلب الظن أنه من المفترض أن يستفيد ترامب من الحادث، وهو ما قد ظهر في التأثير السريع للحادث، في استطلاعات الرأي، بتقلص الفارق بين المرشحين، ولكن خوف الناخبين من مثل هذه السياسات التصعيدية والمتطرفة من جانب ترامب، قد تصب في نهاية المطاف في خانة كلينتون، إذا ما أحسنت التصرف في التعامل مع هذا الهجوم وغيره من المواقف الطارئة.

Email