وسائل الإعلام وتأثير الرعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

قدّم أورسون ويلز في الولايات المتحدة عام 1938 برنامجاً إذاعياً بعنوان «غزو من المريخ» عن قصة للكاتب هـ.ج. ويلز. وكان نتيجة هذا البرنامج أن استجاب إليه المستمعون، وكأنهم يواجهون غزواً حقيقياً، مما جعل على الأقل مليوناً من الأميركيين خائفين وآلافاً منهم أصيبوا بالرعب، مما عزز نظرية التأثير المباشر لوسائل الإعلام.

وفّرت هذه النظرية للإعلامي قوة كبيرة في التأثير على جمهوره، فهو يشبه من يطلق الرصاصة ليصيب من ضحيته مقتلاً، وأصبحت هذه النظرية تعرف (بنظرية إطلاق الرصاصة).

تنظر هذه النظرية إلى الناس باعتبارهم مخلوقات سلبية يمكن التأثير المباشر فيهم بمجرد حقنهم بالرسائل الإعلامية، ومن ثم فإن المتصل يستطيع تحقيق أهدافه ويضمن استجابة فورية من الجمهور.

ولم تصمد هذه النظرية طويلاً، إذْ إن عملية الاتصال عملية معقدة، وهي تخضع لمجموعة من العوامل المتعددة التي تتحكم في فعالية الرسالة الإعلامية. فليست كل رسالة يمكنها أن تكون مؤثرة ناجحة، وإذا كانت بعض الرسائل من ذوي الشخصية الكارزمية قادرة على التأثير على الجمهور، إلا أن ذلك لا يحصل مع كل الرسائل الإعلامية.

وفي الأربعينيات اهتزت هذه النظرية ولم تصمد أمام الدراسات الميدانية، مما فسح المجال لظهور نظرية التأثير المحدود.

ولكن هذه النظرية تظل صالحة مع مناشدة الخوف لدى الجمهور.

ومن أمثلة ذلك ما حصل في الأردن حين شهد العالم ظاهرة الكسوف الكلي للشمس ورافقها ظاهرتان:

- أولاهما ظاهرة تجارية تمثلت بترويج وبيع نظارات خاصة بكميات كبيرة.

- وثانيهما ظاهرة إعلامية تمثلت بدور كبير لوسائل الإعلام في التأثير على الجماهير من خلال التحذيرات التي قدمها الأطباء للناس كي يتوخوا الحذر من النظر المباشر إلى الشمس مما قد يقود إلى العمى.

وتكررت هذه الظاهرة في سنوات لاحقة، حيث تم مخاطبة الجماهير عن طريق مسؤول أردني كبير عبر برنامج البث المباشر في الإذاعة الأردنية الذي خاطب جميع الجهات ذات العلاقة إلى تكثيف الحملات الإعلامية لتوعية المواطنين بمخاطر وأضرار الكسوف وضرورة التقيد بالإرشادات والنصائح الخاصة بذلك.

وناشد هذا المسؤول الأهالي عدم النظر لأشعة الشمس بالعين المجردة خلال فترة الكسوف، وبمراقبة أطفالهم وعدم السماح لهم بمغادرة بيوتهم وإغلاق الشبابيك وإسدال الستائر، حيث إن الأطفال أكثر عرضة للتضرر من كسوف الشمس وخصوصاً سكان البوادي والأرياف.

ودعا مدير عام دائرة الأرصاد في لقاء مع وكالة الأنباء الأردنية إلى عدم النظر بالعين المجردة مباشرة نحو الشمس أثناء الكسوف الكلي أو الجزئي لمدة تزيد على دقيقة واحدة، مؤكدا أنه لو زادت فترة التحديق في قرص الشمس عن الدقيقة فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان البصر نتيجة لإطلاق أشعة غير مرئية عن الشمس، وهي ضارة بجهاز الإبصار لدى الإنسان.

لقد خاطبت وسائل الإعلام بمثل هذه الرسائل غريزة الخوف لدى الناس، وكانت الاستجابة قوية وتأثيرها مذهلاً، وعلى سبيل المثال أقفرت شوارع العاصمة الأردنية من المارة تماماً، وأسدلت ستائر النوافذ ساعة الكسوف.

لقد استجاب الشارع الأردني تماماً لمناشدة وسائل الإعلام التي استثارت غريزة الخوف عند الناس.

وإذا رجعنا في تفسير الظاهرة إلى نظرية التأثير المباشر لوسائل الإعلام فإننا سنجدها صالحة في حدود مخاطبة غريزة الخوف لدى الإنسان. فمنْ منا لا يحرص على سلامته وسلامة أسرته حينما يتلقى رسائل من وسائل الإعلام تحذره من خطر داهم؟

وتصديق رسائل الإعلام في هذه الحالة تكون بالنسبة لنا منجاة من خطر محتمل.

وما زالت أجهزة الإعلام والدعاية والإعلان تستخدم هذا التكنيك للسيطرة على الجمهور في مواقف محددة. وهو تكنيك في حقيقة الأمر لا غنى عنه للتحذير من المخاطر، وخصوصا في حالة توقع انتشار الأوبئة والحروب والكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير.

إنه تكنيك اتصالي يمكن الإفادة منه إذا تم استخدامه بوعي يخدم المصلحة العامة.

 

Email