سياسة الملفات في مواجهة أوضاع مضطربة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ سنوات طويلة أطلقت تعبير سياسة الملفات، وأعدت استخدامه عنواناً لمقالات، وأحد أسباب استخدامي لهذا العنوان عديد المرات يعود إلي بعض الأسباب، التي أشير إلى بعضها في ما يلي:

ما الذي نقصده بسياسة الملفات؟

ببساطة هي لجوء السلطة الحاكمة في أي دولة إلي إسناد بعض ملفات المشاكل والأزمات الممتدة أو الجديدة أو الظواهر الحالية أو الطارئة أو القضايا المستقبلية إلي بعض المراكز البحثية المستقلة أو إلى أهل الخبرة والكفاءة والاختصاص والنزاهة والموضوعية والحيدة والاستقلالية لدراسة تحليلية لموضوع الملف وتاريخه وأطرافه، وتتاح لهم المعلومات الأساسية والحق في الاطلاع على كل ماله صلة بالموضوع الأساس أو الفروع المتصلة به، لكي تقدم رؤية متكاملة، وتصورات لحزمة من السياسات العملية لمواجهة الموضوع في جذوره، وعلى نحو متدرج وسريع وحاسم، مع تقديم البدائل والسيناريوهات المختلفة حول هذا الموضوع.

السؤال الثاني: هل هناك سوابق لما نسميه سياسة الملفات في السياسات المقارنة عالمياً؟

استخدمت هذا التعبير أو الاصطلاح انطلاقاً من التنظير المباشر للواقع السياسي في التجارب المقارنة، حيث تم اللجوء إلى بعض كبار الخبراء أو مراكز البحث المستقلة ذات الوزن والثقل في مجال تخصصها لبحث مشكلة أو بعض المشكلات، وتقديم تصور حول سياسة أو حزمة سياسات لمواجهتها، لجأت إلى هذا الأسلوب في التعامل العلمي مع المشكلات والظواهر الجديدة في عديد من الدول وقادتها وعلى سبيل المثال لا الحصر:

أ- حكومة ولاية كيبك الكندية استندت إلى رؤية الفيلسوف الفرنسي الكبير جان فرنسوا ليوتارد لإعداد تصور مفهومي عن التعليم في القرن الحادي والعشرين، ووضع تقريره الفلسفي المهم عن الشرط ما بعد الحديث.

ب- قيام رئيس الدولة الفرنسية بإسناد ملف التعايش في إطار الجمهورية، وظواهر الأسلمة والحجاب إلى أحد الساسة الفرنسيين ومجموعة خبراء، قدموا تقريرهم له حول الموضوع.

ج- التقرير الأميركي عن أمة في خطر حول نظام التعليم ومشاكله، ومخرجاته وكيف يمكن الخروج منها.

د- في العالم العربي، لجأ الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي إلى إسناد ملفي حقوق الإنسان، والمرأة إلى بعض كبار علماء الاجتماع التونسيين المرموقين.

ما تم في الأمثلة السابقة حدث في ظل نظم ديمقراطيات راسخة التقاليد، وفي علاقة السياسة بالبحث العلمي، والاستفادة من بحوثه ونتائجه ومعطياته في رفد السياسي بالرؤى الجديدة، والاستثناء هو المثال التونسي على عهد دكتاتورية زين العابدين بن علي.

السؤال الثالث لماذا ندعو مجدداً إلى سياسة الملفات؟

لعديد الأسباب، نذكر بعضاً منها في ما يلي:

1- تراكم وتكالب المشكلات والأزمات، والارتباك السائد لدى بعض أجهزة الدولة، وعدم القدرة على مواجهتها.

2- غياب الخيال السياسي في التعامل مع المشكلات من خلال روئ وتصورات عملية مبتكرة.

3- اعتماد بعض قادة أجهزة الدول على الخبرات السابقة، التي لم تعد صالحة لمواجهة تحولات نوعية في بنية الأجيال والأعمار، وفي التركيبة الاجتماعية لا سيما منذ بداية الألفية الجديدة حتى أحداث ما يسمى الربيع العربي، وما بعدها، وفي التركيبة الاجتماعية وتغيراتها.

4- نقص الرأسمال الخبراتي السياسي لدى بعض أعضاء الحكومات والبرلمانات وقادة أجهزة الدول، وعدم متابعة التغيرات الكونية وما بعدها، وما حدث ولا يزال في الإقليم، وداخل البنية الاجتماعية والثقافية.

5- الاعتماد المفرط من بعض قادة بعض أجهزة الدول على الجهاز الأمني في أمور وقضايا سياسية بامتياز على نحو تحولت كل القضايا والمشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلي قضايا أمنية، وهي أمور بها بعُد أمني، ولكنه أحد أبعادها المركبة هي من اختصاص أهل السياسة.

6- أداء بعض الدول وسلطاتها وأجهزتها لا يزال يعيد إنتاج السياسات والأدوات والرؤى السلطوية القديمة، التي سادت طيلة العقود الماضية، وفوضي مراحل الانتقال بعد أحداث الربيع العربي، وهو ما يعني أن الذاكرة الدولية مصابة بأعطاب مزمنة، ومن ثم لم تستوعب سياسياً واجتماعياً طبيعة ما حدث وما بعد، ومن ثم تعيد إنتاج مشكلات وأزمات الدولة في التعامل مع المجتمع.

7- استمرارية التجنيد السلطوي للتشكيلات الوزارية من التكنو بيروقراطية في ظل تدهور كفاءاتها وخبراتها، ومن ثم ضعف مستوى أدائها إلى مستويات غير مقبولة.

من هنا ضرورة اللجوء إلى سياسة الملفات لمواجهة المشكلات الحالة التالية:

أ- السياسة الأمنية والعلاقة بين السياسي والأمني والتشريعي، وإعادة تحديث الأجهزة الشرطية، من حيث التكوين والمهارات وأساليب العمل الميداني، والميزانية، وإشكاليات الأمن والحريات العامة وعلى رأسها التظاهر السلمي، والعلاقة مع النقابات المهنية والعمالية.

ب- البحث عن نموذج التنمية الأمثل، والسياسات الاقتصادية والمالية الملائمة، والسعي لحل مشكلات البطالة الصريحة المقنعة.

ج- الشباب والسياسة، وسوق العمل، والعلاقات بين الأجيال.

د- السياسة الخارجية والتعامل مع المتغيرات الجديدة في إقليم مضطرب.

هـ- ملف الثقافة والتنمية.

و- سياسة التشريع وأزماتها وتطوير الأداء البرلماني.

ملفات أساسية يمكن من خلال الرؤى الجديدة والعقل السياسي المبدع أن نخرج منها معاً إلى مجتمعات ودول جديدة وشابة وفتية وفاعلة في إقليمها وعالمها.

Email