عيوب الممارسات البرلمانية وطرق إصلاحها

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحد أبرز عيوب السياسة الداخلية في العديد من الدول، يتمثل في الخطاب البرلماني السياسي والرقابي والتشريعي، الذي يتسم بالضعف في مقاربة المشكلات السياسية والقانونية، على نحو يؤدي إلى تفاقم الاحتقانات، وتراجع شعبية السلطة التشريعية في العديد من الدول، وعدم ثقة الشعوب فيها وفي أعضائها لدى قطاعات اجتماعية واسعة، وليس النخب السياسية والثقافية في البلاد، ومن ثم، إلى تآكل شرعيته، وهو أمر يحتاج في هذه الدول إلى وقفة للمراجعة والتبصر وإعادة النظر في الأداء البرلماني.

أهم وأشهر عيوب الخطاب البرلماني المسيطر على عمل وأداء البرلمانات في مختلف الدول، يتمثل في ما يلي:

1 ـ التركيز على دعم الحكومة، وذلك دون مناقشات نقدية حول السياسات العامة والاجتماعية، من حيث جدواها ونفقاتها السياسية والنفسية على العلاقة بين المواطنين والدولة، والتوازن بين «الطبقات» الاجتماعية، لا سيما الفئات الأكثر عسراً، والتي تعاني في محاولاتها وقف سقوطها الاجتماعي.

2 ـ الدعم المستمر للسلطة التنفيذية بفرعيها – الرئاسة والحكومة - بمقولة حماية الدولة، وهو دمج غير سائغ بين الدولة ككيان معنوي كلي ورمزي، وبين السلطة التنفيذية، وهو ما يشكل خطأ في فهم معني الدولة، وبين سلطاتها كافة، وهو اتجاه يكرس سياسة اللا سياسة، ويؤدي إلى ضعف في أداء البرلمان لوظائفه الرقابية والتشريعية، لا سيما أن الأغلبية الساحقة من التشريعات، تتقدم بها الحكومة إلى البرلمان لمناقشاتها وإقرارها، وتراجع الدور التشريعي لأعضاء البرلمان، ما يؤدي إلى إضعاف فعلي وواقعي لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يعتمد على التمايز الوظيفي بين بعضها بعضاً، في إطار التعاون، ولأن جوهره قائم على الرقابات المتبادلة بين السلطات بعضها بعضاً.

3- الخطاب البرلماني الرقابي المتردد في ممارسة دوره، وتوظيف الآليات الرقابية التي وضعها الدستور لأعضائه في المبادرة بتقديم الأسئلة، وطلبات الإحاطة، والاستجوابات، وتشكيل لجان تقصي الحقائق، على نحو يؤدي إلى إشاعة روح رقابية على السلطة التنفيذية، وأن سياستها وقراراتها وعملها يخضع لرقابة برلمانية بصيرة، وتتابع بدقة أعمالها، وهو ما يدفعها إلى ترشيد وإصلاح عملها، والارتقاء بأداء أجهزتها، ومراعاة الفجوات الاجتماعية والمناطقية المتسعة بين الطبقات والشرائح الاجتماعية، لا سيما المناطق المهمشة.

ومن ناحية أخرى، يدفع الحكومة إلى استصحاب مبادئ المساواة والمواطنة وحقوق المرأة والأطفال في إعدادها للموازنة العامة للدولة، وفي سياسات التوزيع، وفي تقلد الوظائف العامة. من ناحية أخرى، ممارسة الصلاحيات الرقابية للبرلمان، تؤدي إلى توليد قاعدة تأييد ومساندة جماهيرية - متعددة المكونات الاجتماعية - للبرلمان، ومن ثم، دعم شرعيته السياسية. إن ممارسة الدور الرقابي لا تأتي دون وعي ودرس ومعلومات وخطاب رقابي رصين وموضوعي وسياسي بامتياز، وإلا تحول الأمر إلى محض لغو خطابي وثرثرة برلمانية، تكشف عن بعض العفوية الساذجة التي تؤدي إلى إشاعة التشكيك في الجدارة البرلمانية.

4- ثمة خطاب برلماني فرعي يتمدد، ويتمثل في خطاب ولغة بعض أعضاء البرلمان في تعاملهم مع بعضهم بعضاً، وبينهم وبين رئيس البرلمان، ويتسم في بعض الأحيان بالخشونة والغلظة والعنف اللفظي، ويحتاج إلى ضبط، لأنه يركز على نقد حاد وجارح لبعض الممارسات الشخصية، ومن ثم، يساعد ذلك على تزايد الغضب الجماهيري والإعلامي.

والسؤال، كيف يمكن ترشيد الأداء البرلماني عموماً، والخطاب السياسي والتشريعي والرقابي لأعضاء البرلمان؟، لهذا الهدف، يمكن القيام بالإجراءات التالية:

1 - اختيار المجلس لمجموعات من الخبراء في تخصصات مختلفة لدعم الائتلافات البرلمانية بالمشورة في مجالاتهم المختلفة لدعم أداء أعضائها في عملهم التشريعي والرقابي، ومعهم الأعضاء المستقلين.

2 - إعداد فريق بحثي لدراسة القوانين الأساسية واقتراحات تعديلها وإصلاحها، وفق قيم الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطنة.

3 - إعادة النظر في سياسة تغليظ العقاب، وتبني سياسة جنائية وعقابية إصلاحية، وفق الاتجاهات الراهنة في القانون المقارن.

4 - تشكيل رئيس مجلس النواب، لجنة من الخبراء وأعضاء اللجنة التشريعية، لوضع تصور لسياسة تشريعية متكاملة، والمعايير التي يجب استصحابها عند مناقشة مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة وأعضاء البرلمان.

5 - إعداد ورش عمل لمجموعات أعضاء البرلمان على أساس حزبي أو ائتلافي أو المستقلين، لمناقشة القضايا الأساسية التي تهم الأمة، وكيف يمكن التعامل معها.

6 - طلب رئيس المجلس من كل لجنة من لجانه، إعداد ورقة حول تصوراتهم لعملها، والقيم والمعايير الحاكمة لها، في ضوء الوظيفة والمهام المنوطة بها، ويمكن هنا الرجوع إلى تجارب بعض برلمانات الدول المتقدمة برلمانياً في أوروبا والولايات المتحدة والهند، وجنوب أفريقيا.. إلخ.

الإجراءات السابقة تشكل ضرورة ملحة، لكي يحافظ البرلمان على قواعد التأييد الشعبي، وللخروج من أزمة الخطاب البرلماني، وعدم انضباط بعض أعضائه في حضور الجلسات، أو في خروج بعضهم عن قواعد اللياقة، وعدم تركيز بعض أعضاء البرلمان على دورهم الرقابي والتشريعي، والانصراف إلى تحقيق بعض المصالح الخاصة أو الفئوية لدوائرهم، لأن لا برلمان فاعلاً، إلا من خلال تطوير أداء أعضائه، ودون ممارسة إصلاحية شاملة ورقابة فاعلة على أعمال السلطة التنفيذية وسياساتها.

Email