سْلوم

ما يْثَوّرْ دلّة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الموروث الاجتماعي الشعبي في دولة الإمارات العربية المتحدة تكوّن مع وجود البشر في هذا الجزء من العالم، حيث نشأ مع مجتمعه وتشكّل شيئاً فشيئاً، منقسماً بين الأرض ومن سكن عليها، وأثرت فيه أيضاً التضاريس الجغرافية، فللبحر جانب، وللبادية جانب، وكان للجبل جانب هو الآخر، وقد تعامل البشر مع هذا الموروث، بحيث شكّلوا معه ثقافة عريقة ذات مخزون قوي، اختزلته السنون لتنقله من جيل إلى آخر، ومما لا شك فيه أن الحكمة والمثل والمقولات الشعبية تعتبر القوى الخفية وراء رقي الشعوب وتقدمها، بما أنها تشكّل قناعات الشعوب وإيمانها بتلك الحكم والمقولات، وجملتنا اليوم إحدى تلك الجمل التي اختصرت حروفها البسيطة جملاً كثيرة «ما يْثَوّرْ دلّة»، تسعة أحرف فقط، وليس لها معنى واضح للقارئ، كما ترون، ولكنها تحمل بين أضلعها عشرات الكلمات والمعاني لمن يعرف موروثنا العريق، والترجمة الحرفية للجملة هي كما يلي:

(ما) وتعني: لا.

(يْثَوّرْ) وتعني: يغلي، مع العلم أن هذه الكلمة لها معنى آخر إذا وقعت في جملة أخرى.

(دلّة) وتعني: الدلة التي تصنع فيها القهوة.

فإن شرحناها كما هي فسوف تعني: لا يستطيع أن يجعل الدلة أو الإبريق يغلي!

الأمر الذي يجعلها جملة غير مفهومة، ولكن دعونا نشرحها بلسان موروثنا في دولتنا الحبيبة، وسوف نبدأ بدلة القهوة التي هي رمز للكرم والضيافة والحب لدى مجتمعنا منذ مئات السنين وسهولة إعدادها، والتي لا يخلو بيت ولا مجلس أو متاع على ظهر دابة منها.

«ما يْثَوّرْ دلّة»، وتعني أن مع سهولة القيام بهذا العمل، وهو إعداد القهوة التي لا تحتاج إلا إلى وضع كمية من الماء في دلة على النار، وتركها حتى تغلي، ثم إضافة قليل من البن المطحون إليها فقط، لتصبح قهوة، فإنه لا يفقه كيفية إعدادها، وبالتالي إذا كان هذا الشخص لا يستطيع إعداد قهوتنا العربية مع سهولة إعدادها، فماذا يستطيع أن يفعل؟!

وبالتالي وُجدت جملتنا «ما يْثَوّرْ دلّة» لتطلق صفةً للأشخاص الذين لا نفع منهم، ليحذروا منهم الناس، وسوف أضرب لكم مثلاً لكيفية استخدامها، فلنفرضْ أن لدينا عملاً ونود أن ننجزه، ونريد أن نوكله إلى شخص ما، ويقع الاختيار على أحد الأشخاص الذين نرى أنه يستطيع إنجازه، فيأتي أحد المقربين منه أو من يعرفونه فيقول: «تحملوا منه هذا ما يثور دله»، والمعنى أن هذا الشخص ليس كما يبدو لكم، فهو أصغر بكثير من أن تثقوا به، ومن دون أن يشرح الأسباب، فهذه الجملة تغني عن كثير من الجمل، وتأخذك إلى ما تود معرفته مباشرة بكل بساطة، وبالتالي تتم إعادة النظر في الاتكال عليه، وهي صفة لا أحد يحب أن يوصف بها.

هذا هو موروثنا الغني الذي يثبت لنا أنه عريق بحكمته التي كوّنت قيمه وعاداته وتقاليده.

وللحديث صلة..

Email